فى بعض الجراحات يستلزم الأمر إجراء الجراحة والمريض فى وضع اليقظة فهو يدرك كل ما يجرى حوله، يراه ويسمعه ويستطيع بصوته أن يشارك فى الحوار؛ لكن ما يغيب عنه هو الألم بسبب التخدير الموضعى لمكان الجراحة، ولقد أبدى كثير من المرضى، إن لم يكن كل من أجريت لهم مثل تلك الجراحات شكواهم من ذلك؛ وبعد دراسات حول ذلك توصل الجراحون الى أن أحسن الطرق لتخفيف أو إزالة تلك الشكوى هى الإلهاء، اى تشتيت فكر المريض وتقليل تركيزه فيما يحدث له، بإشغاله أو إلهائه عن العملية التى تجرى له، عن طريق افتعال أمور أخرى كأن تتحدث إليه إحدى الممرضات فى موضوع يثير شغفه، أو يطلب منه الجراح الإمساك بكرة صغيرة والضغط عليها. .. ومن سياسة الإلهاء تلك استوحى اللاعبون فى عقليات الجماهير طريقهم ليقللوا من اهتمامهم بسياسات تشغلهم عن أمور لا يريدون لها أن تنجح، أو تصوير لحال غير مرغوب فيه، كما يقدم عليه تجمعات الخارجين علي الرغبة الجماهيرية من إخوان وغيرهم، فإنهم لا يتورعون عن تفجير القنابل وقتل الأبرياء، وافتعال التجمهر وتصويره على أنه جموح جماهيرى يطالب بالتخلص من الشرعية. .. وليس بالضرورة أن يكون هذا الإلهاء صادرا عن نظم المعارضة وحدها، أو من أفراد محددين رغبة منهم فى شجب سياسات معينة مع عدم كشف أنفسهم حتى لا تنكشف حقيقة أهدافهم الشديدة الذاتية أو التآمرية، بل إن الإلهاء هو أيضا سبيل من السبل التى تنتهجها بعض الحكومات تجاه الشعب حين تعلو أصوات النقد والمعارضة لتصرفات ومشروعات لا تحظى بقبول المحكومين. والسبيل الأقوى تأثيراً لإحداث ذلك الإلهاء هو تسخير الإعلام ليقوم بتسليط الضوء على توافه الأمور بالتركيز على أحداث وحوادث صغيرة ليضخمها ويصنع من الصغائر والتوافه كبائر ويجعل الحدث المتوقع والعادى والمعتاد كارثة ليست فردية فقط ولكنها كارثة قومية تهدد حياتنا لا الشخصية وحدها ولكنها تهدد حياة الناس كافة، حتى وإن كان هذا الحدث مفتعلاً أو مصنوعاً، ومن أمثال ذلك تحريك المظاهرات، وتشجيع الاعتصامات... .. ونحن نرى هذا يحدث كثيراً فى الإعلام المرئي والمقروء يومياً، فمثلا حادث ضرب مدرس لتلميذ يصور على أن التعليم قد أصبح أداة تعذيب لأطفالنا، وأن دم الأبرياء قد أصبح مباحاً، ويتعالى الهتاف مطالبين بمشاركة الشعب فى البحث عن حل لهذا الوباء الخطير.. ولولا الخشية من أن يحدث التزيد شكاً فى مخططهم بإيقاظ الشك الفطرى لدى الجمهور فى هذا المبالغ فيه، لأجروا المسابقات ولأعلنوا عن جوائز لمن يقدم نماذج أكثر اثارة عن حادث ضرب على مستوى العالم!!. وهذا ما كانت تنتهجه قيادات التيار المتأسلم كلما أرادوا تمرير أمر كارثي أو التشويش علي قضية مصيرية فشلوا فيها، أيام استيلائهم على حكم مصر، فكنت تجدهم يوزعون الأدوار بينهم فيخرج علينا أحد زعمائهم بفتوي أو تصريح او بيان مستفز ينشغل به الرأي العام.