مات الريان الأصلى، وترك تلاميذه يواصلون المسيرة فى النصب والاحتيال باسم توظيف الأموال، فى كل مرة يسقط فيها نصاب بهذه الطريقة يطلق عليه الريان، حتى عرفنا «ريايين» بعدد المحافظات، النسخة الجديدة من الريان هو ريان الصعيد، أو المستريح، وهو اسم على مسمى، مستريح جداً على قفا المغفلين هذا المستريح لهف من أهلنا فى الصعيد كما جاء فى البلاغات التى انهالت على مكتب النائب العام حوالى 2 مليار جنيه بحجة توظيفها فى شركة بتروكيماويات وهمية، وبعد ما نال المستريح غرضه، واتلايم على الفلوس فض ملح وداب، وركب ضحاياه القطارات، ونزلوا فى محطة باب الحديد، وديلهم فى أسنانهم، خدوها جرى الى مكتب النائب العام عسى أن يدلهم على الريان الجديد لاستعادة أموالهم ومدخراتهم وشقا العمر. كانت جدتى ومن فى مثل عمرها فى الصعيد تقول لنا واحنا جالسين أمام الباب على ضوء القمر: «الطمع ضيع ما جمع» ويقال هذا المثل عندما يقوم الواحد بمغامرة غير محسوبة، تبحث عن المكسب دون حساب للخسارة. والتى نطلق عليها دراسته الجدوى طمعاً فى مكسب كبير لن يتحقق فيخسر الجلد والسقط، وأهلنا فى الصعيد رغم أنهم يحفظون أمثلة الجدات عن ظهر قلب إلا أن الطمع والرغبة فى الثراء السريع دفعهم الى الى الوقوع فى قبضة نصاب قرارى، فمنهم من باع أرضه، ومواشيه و دهب زوجته، أو ضحى بتحويشة العمر وشقاء الغربة، وقدمها طواعية للريان الجديد الذى وعدهم بمنحهم عائداً حوالى «11٪» عن أموالهم كل شهر أى ما يوازى «132٪» كل عام، ولو فكر الصعايدة قليلاً لأدركوا أن المستريح نصاب، وانه يستدرجهم للاستيلاء على أموالهم ولن يمنحهم هذه الفوائد الرهيبة، ولكنه خدرهم بالوعود، وشبكة علاقاته وصوره مع كبار المسئولين والمشاهير فسلموه أعز ما يملكون. أنا شخصياً اكتشفت «ريان صغير» فى بلدنا ظهر قبل الريان الأصلى بسنوات، وأنا فى الإعدادية، حضر الى دوار العمدة أحد الأشخاص، وزعم أنه مفوض من هيئة أملاك الدولة فى بيع الأراضى الصحراوية التى تقع فى زمام قريتنا واتلمت الأمم أمام دوار العمدة رغبة فى تملك الأرض، وطلب هذا الشخص من كل واحد مبلغاً كبيراً لا أتذكره حالياً وصورة شخصية، وجمع مبالغ لا حصر لها، ساعده العمدة على تستيفها فى حقيبته زيادة فى الكرم، وعن طريق إحدى الصور الشخصية التى حصل عليها هذا الشخص من المواطنين، تيقنت أنه نصاب، وهمست فى أذن العمدة لأنه قريبى قائلاً: يا حضرة العمدة أنا شاكك فى هذا الشخص وأعتقد أنه نصاب ولا مكلف من الدولة ولا حاجة، فصدر لى العمدة الطرشة، وبعد دقائق، قلت له يا حضرة العمدة الراجل ده نصاب فنهرنى العمدة، وهم بضربى، وأمر شيخ الخفراء بطردى من الدوار، وقال لى يا ولد لما الكبار يتكلموا العيال تسكت، قلت له حاضر يا جدو، وودع حضرة العمدة بياع الأراضى النصاب وطلب من شيخ الخفراء اصطحابه الى الطريق العمومى للبحث عن سيارة تنقله الى حيث يريد، وفى اليوم التالى تأكد صحة كلامى، بعد ما تبين انه نصب على أهالى القرى المجاورة أيضاً، وقدموا ضده بلاغات فى مركز الشرطة، وتبين أن هذا النصاب لهف أموالاً توازى ميزانية محافظة، فى الوقت الحالى، ظل العمدة بعد هذه الواقعة كل ما مايقابلنى ينظر الى الأرض خجلاً، أنا أتعمد المرور من أمام الدوار، وأتحدث بصوت عالى حتى ينتبه لى العمدة وعندما يسمعنى ينادينى و يقول، اتفضل يا محمود يابنى. أنا بتنبأ بمستقبل باهر لك، وفى مرة اقترح علىّ بأن أكون نائباً له، طبعاً كان عاوز يغرينى بالمنصب حتى أنسى قرطسة النصاب لجنانبه. ظاهرة الريان وكل ريان جديد سيظهر هى أحد توابع عصر الانفتاح الذى أكلنا فيه توفيق عبدالحى الفراخ الفاسدة المستوردة، وعرفنا فيه الأسمنت المغشوش والعمارات المبنية من ورق التواليت. هذا لا يمنعنى من التضامن مع بنى وطنى الذين وقعوا ضحية للنصاب أحمد مصطفى ابراهيم وشهرته المستريح، وأطالب النائب العام بإحالة بلاغاتهم للتحقيق، وتكليف الشرطة بالقبض عليه، وإلزامه بإعادة حقوق الضحايا، ولن ينتهى النصب، لكن هناك قوانين تعاقب عليه، وهناك وحدات خاصة بمكافحته فى مديريات الأمن، مهمتها القبض على هؤلاء النصابين.