ونحن نشق طريقنا للنهوض بالوطن تحت قيادة موهوبة عاشقة لوطنها ولانتمائها للعروبة يثور فى ذهنى سؤال يؤرقنى يقول: هل نحن حقا نحب الوطن حبا ايجابيا؟ فإذا ما كنا من الشعوب التى تؤمن بالله وتتمسك بدينها، فعلينا إذن أن يزداد حبنا لبناء الوطن ، بعد أن ضرب نبينا المثل فى حبه لوطنه وتمسكه به، وهو القدوة التى تقتدى، فحين أُمره رب العالمين بالهجرة من «وطنه» مكة التى ولد فيها وشب وترعرع وتبتل لربه وتنزل عليه الوحى على أرضها، بل ورغم ما قاسى ما قاسى من قسوة أهلها وحربهم له ولمن اتبعوه، نجده رغم هذا جميعه، قد دمعت عيناه وهو يتأمل هضابها وجبالها قبل أن يغادرها، ويقول صلى الله عليه وسلم: «والله إنك لأحب البلاد إلي الله وأحب البلاد إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت». وهكذا نجد الوطن غاليا، وفراقه قاسيا؛ مهما كانت الحياة على أرضه صعبة، ومهما كانت أفكار أهله مجافية ومخالفة لما نؤمن به ونعتقد. فما بالكم ونحن نرى من يعيشون على أرض الوطن يأكلون من خيره ويعيشون بين أهله وهم يخربون ويدمرون مصالح الناس ويعوقون مسيرتهم، بل والألعن من هذا نجدهم يستحلون حرمة الدماء، بتقتيلهم الأبرياء. فإذا ما خلفنا أولئك المنشقين عن أهلهم، وتخطيناهم كقلة مريضة وليسوا كثرة، فهم خوارج ابتليت بهم حياتنا فتصرفاتهم تؤكد أنهم لا ينتمون إلى تعاليم ديننا ولا حتى إلى فكر سوى، كما أنهم مغيبون لا يجدى معهم حوار ولا توقفهم حقيقة. إذن فعلينا أن نتخطاهم، ونلتفت إلى الأسوياء من جموع الشعب المصرى؛ ولأن السبب الأساسى الذى دعانى لأن أطرق هذا الموضوع أننى أجد الكثرة الكثيرة من المواطنين دون تعمد منهم، ولكن لنقص فى تربيتهم وتعليمهم منذ الصغر، ولانشغال الإعلام عن دوره الحقيقى فى تنقية المجتمع من المفاهيم والسلوكيات الخاطئة وعدم تثمينه للايجابيات وإبرازها، مما جعل الناس يشبون وهم غير مدركين لمعنى الحب الحقيقى للوطن، لذلك فحبهم غالبا حب فطرى غير مبرمج، هو حب نجدهم يظهرونه بإخلاص فى الهتاف باسم الوطن ورفع أعلامه والإفصاح بكلمات تظهر حبهم الشديد له، ولنتأكد من سلامة الفطرة لديهم، نجدهم فى ساعات الشدة لا يبخلون على الوطن بأغلى ما يملكون ولا يترددون للحظة فى افتدائه بأرواحهم. وحب الوطن فى كل الأحوال يجب ألا يتوقف تماما عند هذه الأمور المتوارثة، خاصة فى ظروف التغيير والبناء التى ننهجها الآن للانطلاق نحو المقدمة لنعوض ما فاتنا، ولنلحق بغيرنا من الأمم التى سبقتنا لا لتفوقها علينا إنسانيا، لا لسبب إلا عدم إدراكنا لكون الوقت إن لم نستثمره وتوقفنا عن التحرك معه فى إيجابية بالإنتاج والعمل الجاد، واكتفينا بأن نتفرج على غيرنا فى تحركهم الدؤوب نحو التقدم والرفعة، مكتفين بأن نمصمص الشفاه حسرة على ما صار إليه حالنا، وهذا ما حدث منا فأتاح لكثير من بلاد الدنيا أن تخطانا، وللزمن أن يخلفنا وراءه كما مهملا. وهذا ما عبر عنه الرئيس «السيسى» مفجر النهضة فى قوله لنا: نحن لا ينفعنا لكى ندرك التقدم ونعوض ما فاتنا ونحقق خططنا أن نمشى، بل علينا أن نهرول ونهرول، بل نجرى ونجرى. لذلك ولكى ندرك هذا التقدم والرقى، علينا أن نغير من نمط حياتنا وسلوكنا حتى نحقق للأجيال القادمة مكانا مشرفا تحت شمس الحياة، ومكانة تليق بقدر الوطن وقيمته بين دول المجتمع الدولى المتقدم.. ولكى لا يقال إن دماء الشهداء لم تسفح هباء، ولا لثورتنا أنها فقاعة هواء. وعلينا أن نجعل للوقت قيمة وألا نهدره فى المهاترات وتعويق حركة الحياة والإنتاج، فالأفعال والأعمال هي خير ما يستدل به على حب الوطن. فعلى الموظف أن يذهب الى عمله مبكرا، وأن يقوم بواجباته خير قيام، بل ويطور من أساليب العمل بما يسرع الأداءْ وييسر للمتعاملين قضاء مصالحهم، فهو بهذا إنما يعبر عن حبه لوطنه. والطالب الذي يذهب إلى المدرسة ليتعلم وتزداد معارفه وتنضج مداركه، لينفع أهله ووطنه بعلمه، إنما هو يعبر بفعله عن حبه لوطنه. كما وأن المعلم الذي يحسن تعليم التلاميذ ويسعى لتقدمهم وتفوقهم، ويغرس بذور الأمن الفكري في عقول الناشئة بتعريفهم بالنماذج الوطنية من قادة الوطن وفلاسفته ومفكريه، فيربي طلابه على الأخلاق الكريمة، وينمي فيهم حب الوطن والمواطنة والمواطنة ويحمي أفكارهم بأن يطرد منها كل ما هو فاسد، وهو بذلك يعبر عن حبه لوطنه. وعلى الإعلام والإعلاميين ألا يفوتهم أو يتجاوزوا الحقيقة التى تقول إن الكلمة والصورة أحيانا ما تكون أقسى وأفعل من طلقة الرصاص، وإن رسالة الإعلام هى التربية والتوجيه، وما نراه الآن على الشاشات من برامج ومسلسلات لا يشى بشىء من هذا. إنما هو تعبير عن حب الوطن. ولإنجاح أى مخطط تنموى تقيد والتزام المواطن بأنظمة الدولة وقوانينها، وحفاظه على ممتلكاته والممتلكات العامة من التلف أو الضياع، وهو بهذا يعبر عن حب الوطن. وهذا بعض من كثير نحن مطالبون بالوفاء به، حتى يظل حبنا للوطن دائما حبا ايجابيا نابضا في القلوب يسرى مع قطرات الدم عبر الشرايين والأوردة ليحقق التقدم والرقى. فمهما فعلنا ومهما قلنا وكتبنا لن نستطيع أن نوفى الوطن حقه.