- رحيلها أفجع المصريين.. ومشهد جنازتها كان يجمع بين الروعة والانحطاط - وصيتها بعدم إقامة عزاء كان هدفه الرفق بمحبيها وعدم إرهاقهم «عشقت الفن ومنحته الكثير.. احترمت الجمهور ووثقت فيه... أجادت اختيار معاونيها... فأصبحت سيدة الشاشة».. هذه هى المعادلة البسيطة التى ادت إلى تربع الفنانة الراحلة فاتن حمامة على قلوب الجمهور فى مصر والوطن العربى كما شرحها الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن، الذى ورغم متابعته وحضوره لجنازة فقيدة الفن المصرى الاصيل، لا يريد حتى هذه اللحظة ان يصدق ان فاتن حمامة رحلت عن عالمنا.. وفى هذا الحوار يكشف محفوظ عن الكثير من حياة ومشوار سيدة الشاشة العربية. • ماذا كان رد فعلك حينما علمت بخبر وفاة فاتن حمامة؟ حينما تلقيت الخبر شعرت بفزع وكنت غير متأكد من صحته، خاصة اننى كنت اتحدث معها قبل اسبوع من وفاتها وكانت بخير تماما رغم ان هذا لا يعد مبررا لعدم وفاتها، ولكنها كانت بخير وتحدثنا مع بعض بشكل عادى كما نفعل منذ ان تعرفنا واصبحنا اصدقاء من سنوات طويلة، ولكن بعد مرور نصف ساعة، وحين بدأت الاخبار تنهمر علينا، كان هناك شىء بداخلى لا يريد تصديق انها رحلت، فعلى الرغم ان الموت حق علينا وان حالتها الصحية كانت تسوء لكبر سنها، لكن كان لها تواجد غريب فى قلوبنا وكانت تشع نورا على كل من يعرفها، ولذا فخبر وفاتها كان صدمة كبيرة. • ولكن ما تفسيرك بشعور المواطن البسيط بفجيعة حينما علم بخبر وفاتها، رغم انها مبتعدة عن الفن منذ سنوات طويلة؟ لأنها من صنيعة المصريين الذين استقبلوها وهى طفلة وقدمت هذا الاداء الرائع امام نجوم كبار، وتمنوا لها ان تستمر وتحقق نجاحا كبيرا، وبالفعل واصلت فاتن النجاح وبدأت فى سن ال17 فى تقديم ادوار نحن نريدها ونستمتع بها، وامتدت نجوميتها حتى آخر لحظة فى حياتها، وأنا أراها فى مرحلة كبيرة شبه «شيرلى تمبل» التى بدأت نجوميتها منذ الطفولة ايضا. • ألم تتوتر علاقتها بجمهورها فى أى فترة من فترات مشوارها الفنى؟ لم يحدث اى اهتزاز بينها وبين الجمهور الا فى فيلم «لا انام» حينما قدمت دورا شريرا، وهنا لم يغفر لها الجمهور هذا الدور رغم انها تعرضت للعقاب فى نهايته، وهنا شعرت فاتن انها صناعة هؤلاء الناس فبدأت تتجه اليهم وتعمل ما تريده فى الاطار الذى يحبونه، فكانت شديدة التدقيق فى اختيار اعمالها، وكان لابد ان يتضمن الفيلم رسالة مهمة وبناءة للمجتمع، ونجحت ان تغير القانون بادائها الرائع فى فيلم «اريد حلا»، وبدأت تناقش قضايا اجتماعية كثيرة فى اعمالها حققت نجاحا مدويا. • وماذا عن حياتها الشخصية ومدى تأُثر الناس بأخبار طلاقها وزواجها واستقبال بداية علاقتها بعمر الشريف وهى لا تزال زوجة للمخرج الراحل عز الدين ذوالفقار؟ لم اكن ابالغ حينما قلت ان فاتن حمامة صناعة مصرية وخاصة صناعة الطبقة الوسطى التى كانت القوة المحركة لمصر فى فترة من الفترات وبانتهائها خسرت مصر الكثير، وقد تقبلت هذه الطبقة خبر زواج وطلاق فاتن حمامة بهدوء بخلاف العادة، فحينما تتزوج فنانة او يتم طلاقها تبدأ الاقاويل والشائعات لكن هذا لم يحدث مع فاتن بل غفرت لها الطبقة الوسطى الحريصة على التقاليد علاقتها بعمر الشريف، حينما احبته وهى لا تزال زوجة ومشهد الحب الذى جمع بينها وبينه فى فيلم «صراع فى الوادى»، لانها كانت بالنسبة له القدوة والمثل ولا يمكن ان تخطئ، وهى بدورها كانت تحترم هذا فلم نشاهدها فى حفلة او سهرة وهى ترتدى ملابس مستفزة. • هل شابت علاقتها مع بعض زملائها من الوسط الفنى توترا ما، خاصة اننا سمعنا بعض التصريحات الرافضة لمنحها لقب سيدة الشاشة العربية؟ فاتن لم ترد على منتقد لها أبدا، وقالت امامى اكثر من مرة انا لا ارد على هذا الكلام ولا اعرفه وكانت واثقة تماما بقوة علاقتها مع جمهورها، اما فيما يخص حصولها على لقب سيدة الشاشة فهى تستحقه بكل جدارة، فهى كانت اولى بنات جيلها فى تحقيق النجومية، فنجوميتها سبقت نجومية مديحة يسرى ونادية لطفى وماجدة وغيرهن، وهى ظهرت بعد جيل المسرح الذى كانت تمثله فاطمة رشدى وغيرها وحققت نجاحا كبيرا منذ ظهورها عام 1937، وامتد هذا النجاح وبقوة وازدياد حتى بداية الالفية الجديدة واخر اعمالها مسلسل «وجه القمر» فمن مثلها حقق النجاح ذاته. • هل يعنى هذا ان فاتن حمامة لم تقدم اى عمل دون المستوى على مدار مشوارها الفنى الذى يمتد لاكثر من 60 عاما؟ اى عمل اذا شابه أخطاء فهى غير مسئولة عنها بالمرة، فقد كانت حريصة جدا فى عملها، كانت تحترم المواعيد وتجيد اختيار النص وتذاكر دورها بشكل جيد وتستشير من حولها فى بعض الامور، وكانت تهتم بكل التفاصيل وترفض ان تضحك على الجمهور حتى فى ابسط الاشياء. • من كان يقدم لها النصيحة ويساندها فى الفن؟ هناك اسمان كانت فاتن تعتز بهما بشدة وهما مدير التصوير وحيد فريد الذى سافر إلى لندن حيث كانت تقيم مع زوجها الفنان عمر الشريف حينها، وقال لها ماذا تفعلين هنا عودى إلى جمهورك وإلى فنك، وبالفعل اقتنعت وعادت وكان يشاركها كل اعمالها تقريبا، وهناك المخرج هنرى بركات الذى كان يذهب إلى مكان تصوير افلامها ليقدم لها النصيحة حتى لو كان الفيلم ليس من إخراجه. • هل كانت فاتن حمامة تتقبل النصيحة بهدوء؟ فاتن لم تتكبر يوما على التعليم والنصح وكثيرا ما استشارتنى فى امور عديدة، واذكر لها واقعة مع الفنانة سميرة عبدالعزيز اثناء تصوير مسلسل «ضمير ابلة حكمت»، وكانت فاتن تلعب دور مديرة مدرسة وحينما كانت تؤدى مشهدا باللغة العربية ارتكبت اخطاء وهو ما كشفته سميرة، لانها تجيد الفصحى فذهبت سميرة إلى انعام محمد على مخرجة العمل وقالت لها فاذا بانعام تطلب منها ان تذهب لفاتن وتصحح لها الخطأ، وهنا خافت سميرة من رد فعل فاتن لكنها ذهبت وفوجئت بتقبل فاتن الملاحظة بل كانت تراجع سميرة فى كل مشهد اذا كانت نطقت العربية بشكل صحيح ام لا. • وماذا عن رأيها فيما وصل اليه الفن المصرى حاليا؟ رغم انها كانت كثيرة السفر ومبتعدة عن الاضواء ولا تشاهد احدا ولا تستقبل احدا الا فى حدود ضيقة، الا انها كانت متابعة لكل ما يحدث فى مصر وتحديدا الفن وبشكل دقيق، وكانت تشعر بأذى شديد من مستوى الفن المصرى، ولكن حينما كانت تشاهد عملا جيدا كانت تشيد به وكانت تقول ان هذه البنت رائعة وهذا الولد سوف يكون له مستقبل وهذا المخرج مبشر بالخير وهذا بحاجة إلى من ينصحه وهكذا كانت «دماغها شغالة». • وهل كانت تذهب إلى دور العرض السينمائى لمشاهدة الافلام؟ لا، هى لم تكن تخرج كثيرا وكانت تجد راحتها فى الجلوس ببيتها تنعم بالامان ولكن كانت تذهب بانتظام إلى دار الاوبرا. • لماذا نماذج مثل فاتن حمامة لا تتكرر؟ لان صناعها انتهوا واقصد الطبقة الوسطى التى ساندتها ودعمتها كما ساندت ودعمت الراحلة كوكب الشرق، فأنا ارى ان هناك تشابها كبيرا بين النموذجين، حيث بدأتا منذ الطفولة وشقتا طريقهما حتى حققتا نجاحا مدويا بفضل هذه الطبقة، حتى اننا نجد ان وجه فاتن هو الوجه الذى يمثل هذه الطبقة مهما لعبت من ادوار ارستقراطية او فقيرة، وللاسف تحول الامر واصبحت العشوائيات هى القوى الشرائية التى تذهب إلى السينما وتدعم الفنان الذى يمثلها.. اصبحنا نعيش ثقافة العشوائيات فى ظل تجاوب المنتجين مع رغبتهم وتقديم النموذج الذى يحبونه ولكننا نتحدث عن نموذج لفنان اهتم بعمله وتمتع بموهبة فنية رائعة واصبح اشعاعا مضيئا على الشاشة، وبعيدا عنها ففاتن فى واقعها هى فاتن فى التمثيل من حيث الروعة والجمال. • على ذكر كوكب الشرق ام كلثوم، هل تحدثت الفنانة فاتن حمامة عن رأيها فى عمل مسلسل يروى سيرتها الذاتية؟ هى كانت ضد فكرة عمل مسلسل عنها وكان هذا يمثل قلقا بالنسبة لها، وفى الحقيقة ام كلثوم كان لها نفس الموقف، وفاتن كانت تردد باستمرار ان من يريد تقديم عمل فنى عنها فليفعل بعد موتها، لكنها لم تكن تحبذ ابدا عمل مسلسل عنها وهى على قيد الحياة، لكنها تستحق فهى تمثل قصة جميلة ورائعة لنموذج فنانة شقت طريقها واعتمدت على فنها وشخصيتها ووصلت إلى اعلى مكانة يصل اليها اى فنان اخر. • اخيرا لماذا اوصت بعدم اقامة عزاء لها وكيف استقبلت مشهد جنازتها؟ قليل من يتحدث عن وفاته فكثيرون يعتقدون انهم سيعيشون للابد، اما فاتن فحينما اوصت بعدم اقامة عزاء فكانت تفكر فى الاجهاد البدنى الذى كان ليصيب احباءها بداية من زوجها وابنائها وكل من يشارك بالعزاء، وانا بدورى كنت اوصيت بنفس الامر ولكنى تراجعت بعد ان هوجمت الفكرة واؤكد ان العزاء لا علاقة له بالدين وانما هو عادة، وفاتن فكرت فى راحة الجميع، فحالة زوجها لم تكن لتسمح باستقبال هذا العدد الهائل المتوقع لعزائها، أما فيما يخص مشهد جنازتها فهو مشهد كان يضم الروعة فى احسن صورها والانحطاط، فلقد شاهدنا زحفا من المصريين للمشاركة فى وداعها وبكاء حقيقيا وشعورا بالفجيعة، وأناس جاءوا يلتقطون صورا للمشاهير الذين جاءوا لوداعها، وافتقاد الجنازة التنظيم المطلوب، الامر الذى ادى إلى سقوط النعش وتحطم سور المسجد.