img src="http://cdn.alwafd.org/images/news/1770058063hfah.jpg" alt="ناجي صادق شراب يكتب :"عاصفة الحزم" وملء فراغ القوة" title="ناجي صادق شراب يكتب :"عاصفة الحزم" وملء فراغ القوة" width="200px" height="260px" / لا يمكن فهم عملية "عاصفة الحزم" إلا في سياق نظرية فراغ القوة، ومحاولة العديد من القوى الدولية والإقليمية ملء فراغ القوة المزعوم . والنظرية تعود إلى الخمسينات من القرن الماضي في أعقاب انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج العربي، وتبني الولاياتالمتحدة هذه النظرية لمحاولة ملء فراغ القوة، وفي ذلك الوقت حاول الاتحاد السوفييتي الوصول إلى المياه الدافئة، ولعل أبرز قوة حاولت أن تستفيد من الانسحاب البريطاني وتستغل حالة البناء السياسي، وبناء القوة لدى دول المنطقة هي إيران في عهد الشاه، والتي تبنت سياسة إمبراطورية، وقامت باحتلال الجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات وهي أبو موسى وطنب الصغرى والكبرى، ومازالت تحتل هذه الجزر بالقوة . ولم يكتف الشاه وقتها الذي لعب دور شرطي الخليج بذلك بل أصر على تسمية الخليج بالفارسي دلالة على تبني سياسة أن كل المنطقة تقع في نطاق دائرة المجال الحيوي لإيران . ومد سياسة الهيمنة ومحاولات ضم البحرين لم تكن بعيدة عن هذه السياسات . وفي مقابل هذه السياسات تبنت دول المنطقة سياسات حسن الجوار، ومحاولة تسوية الخلافات بالحوار، إلا أن هذه الدبلوماسية فشلت أمام تبني سياسة القوة من قبل إيران على اعتبار أن المنطقة تدخل في دائرة الأمن الإيراني وليس الخليجي أو العربي . والمفارقة أن هذه السياسة لم تتغير مع سقوط الشاه بقيام الثورة الإسلامية، بل زادت عليها هدف تصدير الثورة إلى دول المنطقة وكل الدول العربية والإسلامية الأخرى، وبقي العنصر القومي الفارسي أحد أهم العوامل التي تحكم السلوك السياسي الإيراني، وبقي مبدأ التمدد الإمبراطوري أو إحياء هذه السياسة الإمبراطورية هدفاً رئيسياً للسياسة الإيرانية في عهد إيران الثورة . وتحقيقاً لهذه السياسة وأهدافها حاولت إيران العمل على امتلاك القوة النووية وهو الهدف نفسه الذي سعى إليه الشاه، ونجحت إيران في ظل نظام دولي قابل للتغير، والتراجع، ونظام إقليمي عربي متراجع، وتغيبت عنه محاولات الدول الإقليمية في امتلاك هذه القوة على حساب القوة العربية، نجحت إيران في قطع مرحلة تؤهلها لأن تصبح قوة نووية، وبرغم التوصل إلى المرحلة النهائية في هذا الاتفاق الذي تفسره إيران على أنه اعتراف بالأمر الواقع بأنها قوة نووية، فإن هذا الاتفاق في جميع الأحوال يعترف أيضاً بإيران كدولة مركزية ومحورية فإن لها مناطق نفوذها داخل المنطقة العربية وخصوصاً في العراق واليمن ولبنان وسوريا، من خلال تثبيت وجودها في هذه الدول . ولم تكتف إيران بدعم هذا الوجود بل حاولت تغيير أنظمة الحكم حيث توجد، وهذه السياسة هي ترجمة للسياسة الإمبراطورية التي تتبناها إيران، وتنطلق من الاعتقاد بأنها القوة الوحيدة في المنطقة التي من حقها بسط نفوذها، وإدراكاً منها بأن الدول العربية تعاني فراغ قوة، وحالة من التفكك الانقسام وخصوصاً بعد ثورات ما يسمى "الربيع العربي"، وكذلك استغلال الانسحاب الأمريكي من العراق وغيره، وكأننا هنا نعيد نظرية فراغ القوة في الخمسينات، واستغلال تراجع مفهوم الأمن القومي العربي، وغياب الإرادة العربية . هذه المدركات هي التي تفسر لنا كثيراً من سياسات إيران وتحكمها في أكثر من ملف من الملفات العربية في سوريا ولبنان والعراق واليمن باعتبار أن الحركة الحوثية هي إحدى أدوات السياسة الإيرانية في المنطقة، وتطبيقاً لسياسة لعبة الشطرنج سقوط دولة عربية قد يتبعه سقوط الدول الأخرى . لذا، فعملية "عاصفة الحزم" لها دلالات عميقة، فهي ولأول مرة تحمل رسالة بحتمية إحياء مفاهيم الأمن القومي العربي، وإحياء القوة العربية المشتركة التي اقترحتها مصر، ورسالة قوية ليس لإيران فقط بل لكل الدول الأخرى المتربصة بالمنطقة، والرسالة الأخرى أن الدفاع عن أي دولة عربية هي مسؤولية قومية . وتأتي هذه العملية في سياق إحياء النظام الإقليمي العربي الذي تجسده الجامعة العربية، وهو ما يستوجب العمل على تفعيل دورها، وتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك . ولعل الرسالة الأهم التي تحملها هذه العملية أنها تجسد المشروع العروبي في مواجهة المشاريع التي تحاول أن تستبدله بمشاريع توسعية أخرى صهيونية، أو إيرانية أو تركية أو أمريكية، ورسالة أخيرة مفادها بأن العرب يملكون بيدهم مفاتيح قوة كثيرة . نقلا عن صحيفة الخليج