في إطار نظرة موضوعية للمؤتمر الاقتصادي المنعقد حالياً في شرم الشيخ، يأتي المردود السياسي بما لا يقل أهمية عن الآمال المتزايدة والمتعلقة بالجانب الاقتصادي؛ فإذا كانت النتائج الاقتصادية تحتاج إلي وقت، وجهد متواصل حتى نلمس آثاره علي الأرض، فإن الأثر السياسي أسرع كثيراً مما يتصور البعض. فليس من شك أن الحضور الدولي المكثف يشير بقوة إلي توفر قناعات دولية أكيدة بصحة الخطوات التي قطعها الوطن تجسيداً لمبادئ وأهداف وقيم ثورته؛ ومن ثم انخرطت الدولة المصرية في هيئتها الجديدة، في منظومة المجتمع الدولي، علي نحو يستبعد احتمالات عودة سافرة لبعض القوى إلي مناهضة الإرادة الشعبية الحرة التي جسدتها ثورة يونية. غير أن المؤتمر الاقتصادي، لا يعد خطوة كافية، إذا ما تراخت الجهود الوطنية عن إنجاز الكثير من التحديات في شتى محاور العمل الوطني؛ ذلك أن بلوغ الأمم غاياتها المشروعة في التنمية الشاملة، لا يمكن أن تمضي قدماً دون تحقيق التوازن الحقيقي لمختلف عناصر القوة الشاملة للدولة. في هذا السياق، يخطئ من يقلل من الأثر الناتج عن غياب برلمان، منتخب بنزاهة وشفافية، بموجبه تكتمل المؤسسات الدستورية للدولة؛ فليس في إصدار قرارات رئاسية بقوانين، ما يمثل تعويضاً حقيقياً عن البرلمان، فطبيعة الاستثمار الخشية من عدم ثبات التشريعات، مع ما يترتب علي ذلك من آثار ترتبك لها الأجندة الاستثمارية، نتيجة تغير المناخ الحاضن للاستثمار؛ ذلك أن المستثمر بالقطع يدرك أن البرلمان المقبل سينظر في أمر كل القوانين الصادرة بقرارات في مستهل عمله. بل إن إضافات حقيقية في هذا الشأن سيقدمها البرلمان المقبل، بما سيتوفر داخله من كفاءات وخبرات، في ظل أداء برلماني متميز يلتزم مسئولياته الوطنية، بما يجسد الثورة التشريعية القادرة علي صياغة حركة المجتمع صوب مستقبل أفضل. ومن جهة أخرى، فإن الدور الرقابي للبرلمان يدعم إدارة شئون الدولة علي نحو ينتظم معه المشهد الداخلي بشكل عام، ويوفر متطلبات البيئة الداعمة للتنمية المستدامة بالتعاون مع حكومة سياسية ترتكز علي إرادة شعبية، تضمن الاستقرار المجتمعي في ظل انسياب حركة كافة روافد المجتمع في مساراتها الطبيعية. إلا أن التفاف الشعب حول الرئيس السيسي، وإن كان قد أزعج الكثير من أعداء الوطن، إلا أنه بالقطع يضع تفسيراً مؤقتاً يمكن قبوله من جانب المستثمر الأجنبي؛ ذلك أن الشعبية الكاسحة للرئيس السيسي ستنعكس في البرلمان المقبل متى عبر نوابه بأمانة عن قواعدهم الشعبية، بما يشكل ضمانة جادة لعدم تناقض توجهات البرلمان المقبل وما أنتجته مؤسسة الرئاسة من قوانين تعالج أمور المرحلة الراهنة، وتهيئ للدولة الاستقرار الكافي لإنجاز الخطوة الثالثة والأخيرة من خارطة المستقبل التي ارتضاها الشعب تعبيراً صادقاً عن طموحاته في حياة كريمة حرة. في هذا السياق، لا ينبغي المساهمة في نشر ثقافة تصطدم بصحيح القواعد الديمقراطية؛ فقد راجت في أوساط «نخبوية» مقولات لا تستند إلي مسئولية وطنية كافية، ولا تنم عن إدراك متكامل؛ إذ يسعي البعض إلي تهميش دور البرلمان كأداة ديمقراطية، زعماً بأن الشعب في المرحلة الراهنة لا يريد برلماناً من شأنه «تعطيل» عمل الرئيس!. والحال كذلك، لزم التنويه إلي أن تلك المزاعم ترتد بالضرورة إلي ذات الأسس الفكرية الرامية إلي تهميش الأحزاب السياسية ذاتها، والطعن في قدرتها علي النهوض بمسئولياتها، بل والعمل علي تشويه رموزها؛ ومن ثم فتورط بعض المشتغلين بالعمل الحزبي في تلك المزاعم، يثير علامات تعجب، وتساؤلات مشروعة، عن حقيقة توجهاتهم، وبوصلة مصالحهم في المرحلة المقبلة. «الوفد»