المجد للكلمة، وردة المحبة ورسالة التحضر، وأداة المُقاومة الأفضل لغابات القُبح، تمر السنون والأيام وتغيب الوجوه وتتكرر المعارك وتبقى «الوفد» رسالة وطنية تُدافع عن قيم الوطن، وثوابته، وتُبشّر بفجره، وترعى حقوق الناس، وتتبنى همومهم، وتقف كحائط صد ضد أى خطر يحيق بالمصريين. إن الكلمة أقوى من الرصاص، وأبقى أثرًا من المتفجرات، وأكثر حدة من نصال السكاكين، تبقى مدى الدهر شاهدة وفاضحة ومُصلحة لأوطان غزاها الفساد، واستوطنها الاستبداد، ورمى عليها الفقر أستاره. «الوفد» جريدتكم التى ولدت فى 22 مارس عام 1984 اسبوعية، أى منذ 31 عامًا، بقرار جرىء من المغفور له فؤاد باشا سراج الدين، وبرئاسة تحرير الفدائى الراحل مُصطفى شردى، ثُم تحولت - مع الاقبال الجماهيرى، والموضوعية المُتزنة - إلى جريدة يومية يوم 9 مارس 1987، كانت ومازالت على عهد مع المصريين بأن تتحدث بألسنتهم، وتُعبر عما فى صدورهم، وترسم آمالهم وأحلامهم. لقد اختار الراحلان العظيمان فؤاد سراج الدين، ومصطفى شردى يوم 9 مارس موعدا لصدور العدد اليومى لأنه ذلك اليوم الذى انطلقت فيه جماهير مصر الغاضبة بعد ساعات من اعتقال سعد باشا زغلول وصحبه ونفيهم إلى مالطة ليُسطر المصريون أعظم ثورة فى تاريخهم هى ثورة 1919، والتى كانت ميلادا حقيقيا لمصر الليبرالية والمدنية، وأنتجت أفكارا وفنونا وإبداعا فى كافة المجالات، فضلا عما قدمته للوطنية المصرية من صياغة حقيقية لمبادئ الاستقلال وكرامة الأمة وقوتها. 18 عاما مرت على صدور العدد اليومى من جريدة «الوفد» ومُعاركها الشرسة ضد الاستبداد والفساد بأنواعه، يفتح عليها قصف الخصوم حينا ونيران السُلطة حينا آخر، لكنها تتترس بمحبة البسطاء ورضا الغلابة الذين كانوا دائما غاية الكلمة ومقصد موضوعات الجريدة. مُنذ البدايات ورصاص القمع ينهمر على الورق الأخضر، لكن صلابة العود، وروح التحدى، واخلاص الأقلام ومحبة العاملين شكلت حائط صد مازال قادرا على المواجهة، صلبا فى وجه المؤامرات، عصيا على الانقياد أو الانصياع لأى جهة أو سُلطة غير الشعب. من معركة الفساد ضد المحجوب، إلى مُجابهة القمع البوليسى فى عهد زكى بدر، وحتى مواجهة وفضح مراكز القوى خلال عهد الرئيس الاسبق حُسنى مُبارك، والوقوف بقوة أمام أى اعتداءات على الدستور أو الحريات، انطلقت الجريدة الخضراء كحصان جامح يسعى نحو القمة راضيًا بمحبة القراء ورضاهم قبل أى شىء. لذا لم يكن غريبا على الوفد حزبا وجريدة أن يحتضن ثورة يناير منذ بداياتها، ففى 19 يناير عقدت لجنة شباب الوفد بالفيوم اجتماعا تنسيقيا للتحضير للمظاهرات المزمع تنظيمها، ودعا الحزب شبابه للمشاركة فى المظاهرات التى خرجت بالفعل يوم 25 يناير تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، وأصدر الحزب فى مساء نفس اليوم بيانا طالب فيه بتغيير الحكومة وحل مجلس الشعب الذى تم تشكيله من خلال انتخابات مزورة كان للوفد شرف الانسحاب منها. وعرضت الجريدة صور الشباب الثائر وتبنت مطالبهم، ثُم دشنت لفضائح رموز نظام مُبارك بشكل تفصيلى. وفى أول اعلان رسمى للثورة المصرية عقد حزب الوفد مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أن شرعية النظام السياسى فى مصر سقطت وأن على الرئيس مبارك أن يترك منصبه، وقد سعت جهات أمنية عديدة إلى إثناء الدكتور السيد البدوى رئيس الوفد عن عقد المؤتمر لكنه رفض وأصر على عقد المؤتمر، ما دفع الرجل الثعلب عمر سليمان إلى تهديده قائلا : أنت كده بتحرق البلد. ولم يكن الوفد ولا رئيسه ولا شبابه يحرقون البلد، ولكنهم كانوا يحتضنون ثورة نقية اندلعت ضد غطرسة القوة، وفساد الحكم. وبعد اختطاف الاخوان للسلطة فى مصر وقفت الجريدة تُندد بانتهازية الجماعة وتفضح تسلُطها وتكشف استبدادها ورفضت الجريدة عدوان الرئيس الأسبق محمد مرسى على الدستور والقانون بإصداره تحصينا لقراراته وفى صباح 24 نوفمبر 2012 بعنوان رئيسى تعلن فيه الثورة هو «مصر ثائرة ضد الاستبداد»، وفى 27 نوفمبر صدرت «الوفد» فى عدد خاص يغطيه شعار «لا» للاعلان الباطل واعدام دولة القانون، وكان المانشيت الرئيسى للجريدة «الثورة مستمرة.. ومصر فوق الإخوان». وتضامن الوفد مع اضراب القضاة، كما تضامن مع الشباب الثائر، ورصدت الجريدة «سلق» الدستور فى ليل، وخرجت «الوفد» لتعلن للناس «دستور العار»، وفندت ألغامه وخطاياه. وفى 15 ديسمبر 2012 تعرض مقر حزب الوفد وجريدته لهجوم بربرى من جانب أعضاء حركة «حازمون» المؤيدة للإخوان فى محاولة لإرهاب وترويع أصحاب الكلمة بالرصاص والدم، وأصاب رصاص الخرطوش عددا من الصحفيين وتم تحطيم سياراتهم، فضلا عن احراق جانب من المسجد الخاص بالوفد. وتجاهلت أجهزة الدولة بلاغات حزب وجريدة الوفد ضد المقتحمين الذين تم تصويرهم. ورغم كل ذلك استمر بيت الأمة يستقبل اجتماعات المعارضة وتشاوراتهم لمواجهة القمع المتواصل من جانب الجماعة الغاصبة للحكم، ففى 17 يناير استقبل الوفد شباب القوى الثورية حيث تم الاتفاق على دعوة المصريين للنزول يوم 25 يناير للمطالبة برحيل نظام الإخوان. وفى ظل مُتاجرة الإخوان بالدين أصدرت جريدة «الوفد» فى 18 ابريل 2013 عددا حول الوحدة الوطنية كان عنوانه «أصل الثورة صليب وهلال» حيث أكدت الجريدة أن الوحدة الوطنية ستظل عقيدة راسخة لدى المصريين، وأن حكم الاخوان يضرب المواطنة فى مقتل. وتبنت «الوفد» الثورة ترويجًا ودعمًا ومساندة لحركة «تمرد» حتى سقط الإخوان فى 3 يوليو 2013.