غداً تحل الذكرى السنوية لرحيل الفارس المغوار مصطفى شردى أول رئيس تحرير لجريدة «الوفد».. عاش «شردى» 54 عاماً وثمانية شهور و25 يوماً، وكان يوم رحيله مساء «الجمعة» 30 يونيو 1989.. عاش «شردى» صحفياً من قمة رأسه حتى أخمص قدميه، خاض معارك أمته وقضايا وطنه، فقد كان صبياً لم يبلغ العاشرة من عمره، وهو يعمل فى بلاط صاحبة الجلالة.. تلقى «شردى» الفارس صدمة تدمير بورسعيد عام 1956، وصدمة هزيمة 1967.. ومن ساعتها تحول إلى مقاتل، وهب حياته لوطنه وأمته المصرية بشكل لم يعرفه أى صحفى على حساب أسرته الصغيرة وأولاده.. إنه بحق فارس المعارضة المغوار الذى ناضل كثيراً ضد الظلم والطغيان والفساد، كنا الآن فى أشد وأمس الحاجة إليه.. كنا نتمنى أنه لو يحيا معنا الآن ليشهد الثمار التى حققها قلمه ونضاله فى ثورة «25 يناير» المجيدة.. فمصطفى شردى الذى بدأ الصحافة صبياً من المرحلة الابتدائية أكسبته التجربة أن يكون المناضل الشديد الشكيمة ضد كل قهر وطغيان.. وكانت انطلاقة «شردى» رحمه الله عندما اختاره الزعيم خالد الذكر فؤاد سراج الدين ليكون رئيساً لتحرير «الوفد»، وتخرج صحيفة الوفد الأسبوعية عام 1984 لتحدث انقلاباً فى الصحافة المصرية، وتقدم لكل القراء فى مصر والوطن العربى، صحافة لم يعهدوها منذ كبلت الأنظمة الديكتاتورية حرية الشعوب، خاصة فى مصر قلب العروبة النابض.. وتصبح «الوفد» صوت مصر.. ويقود الفارس المغوار الجريدة الأسبوعية، لتصبح من الأسبوع الأول صحيفة كل المصريين.. وفتحت «الوفد» أبوابها لتعبر عن كل المقهورين والمطحونين وتحمل على عاتقها مشاكل ومتاعب الناس.. وبسبب ما كانت تنشره «الوفد»، والتأييد الشعبى الواسع لها الذى منحته الأمة أجبرت بعض الصحف الحكومية على أن تنشر شيئاً من الحقيقة لتواجه اكتساح «الوفد». ولم تهمد عزيمة مصطفى شردى حتى صدرت الوفد يومية.. ويصبح «شردى» كاتب المقال السياسى المعارض الأول فى مصر ينقل نبض الناس،لأنها رأت فيه ناصر الحقيقة المعبر عن آلام وآمال الأمة.. وتصبح «الوفد» أول صحيفة يومية معارضة تكتسب تأييد الجماهير من اليوم الأول. رحل مصطفى شردى وترك مدرسة صحفية هى مدرسة «الوفد» وترك مبادئ أقل ما نصفها بأنها دستور للصحفيين، وهؤلاء أبناؤه الآن هم من يتحملون المسئولية، رضعوا منه أن تكون أقلامهم سلاحاً يطلق الرصاص والقنابل على كل فاسد فى مصر لا يرهبهم جور حاكم ولا جبروت سلطان وخاضت «الوفد» معارك نارية مع النظام السابق الفاسد البائد، وتلقى صحفيو «الوفد» الصدمات والصفعات من كل الفاسدين ومنهم من دخل السجن فى سبيل إعلاء الحق، ولم تلن لهم قناة أو تضعف عزيمتهم بل اشتدت شكيمتهم وقوى عودهم، وكان صحفيو «الوفد» هم وقود الثورة العظيمة يوم «25 يناير»، رغم ما يحاول الفاسدون فى الإعلام المصرى طمس دورهم الرائد فى هذا الشأن.. ولايزال صحفيو «الوفد» يجاهدون ويقاتلون من أجل رفعة الوطن وعلو هامة مصر خفاقة.. من أجل أن تسود بالبلاد دولة ديمقراطية مدنية حديثة قوامها الرئيسى الدستور والقانون والمواطنة. فهل حقاً مصطفى شردى قد مات؟.. إن «شردى» مات جسداً ولم يمت روحاً ومدرسة تعلمنا فيها.. وكن مطمئناً فى قبرك يا«شردى»، فسنسير على نهجك ودربك، وسنكون حافظين للعهد وباقين على الوعد، نتحسس طريق الوطنية الذى سرت فيه.. ألست القائل وأنت تفارق روحك الطاهرة إلى بارئها، وكنت شاهد عيان للحظة الفراق المؤلمة.. مصر.. مصر.. مصر.. وأوصيتنى بأن أكون وفياً لها.. وخرجت من غرفة المستشفى أبلغ الخبر المؤلم إلى الزعيم خالد الذكر فؤاد سراج الدين والمرحوم الأستاذ جمال بدوى والأستاذ عباس الطرابيلى أطال الله فى عمره.. وكنت قد تلقيت صدمة الفراق عندما كنت بصحبة المرحوم الأستاذ سعيد عبدالخالق، الذى سقط مغشياً عليه وراح فى غيبوبة سكر.. وكان قدرى أن أكون شاهداً على هذه اللحظة.. وأكون شاهداً على وصية شردى الأخيرة التى قال فيها.. مصر.. مصر.. مصر.. أولاً وأخيراً. رحم الله أستاذى العزيز وأبى الغالى فقيد مصر والمشرق العربى وفارس الصحافة المعارضة.. وأسكنه الله فسيح جناته وتولانا بالصبر والسلوان.. وأقدم عزائى فى ذكراه التى تحل غداً، إلى السيدة الفاضلة ثريا شردى أم الصحفيين جميعاً «بالوفد»، وألهمها الله الصبر الجميل والسلوان ومتعها بالصحة والعافية وإنا لله وإنا إليه راجعون.