"أعتبر نفسى تلميذا فى مدرسة مصطفى أمين الصحفية، وابنا لفؤاد باشا سراج الدين زعيم الوفد وعميد الصحفيين المصريين"، هكذا تحدث لى الكاتب الصحفى الكبير سعيد عبدالخالق فى منزله بمدينة السادس من أكتوبر قبل رحيله بأيام. كان الرجل يستعد لكتابة رحلته فى عالم السياسة والصحافة لمدة تقترب من 40عاما، وكنا قد اتفقنا مبدئيا مع الناشر الكبير ماجد أحمد يحيى صاحب المكتب المصرى الحديث على نشرها ولكن المنية وافت صاحب العصفورة واكسبريس الخبر فى الصحافة المصرية. عشق سعيد عبدالخالق الصحافة منذ كان طالبا بكلية الآداب قسم الفلسفة جامعة القاهرة فى أول السبعينات واكتشاف مصطفى بك أمين له وهو صانع الصحفيين الأول ومكتشف المواهب النادرة وحتى رحيله المباغت والصادم لنا جميعا تلاميذه ومحبيه وأبناء مدرسته الخبرية الأولى فى الصحافة المصرية بل وفى العربية حين ذهب مؤسسا لصحف سعودية واماراتيه مع الراحلين الكبيرين مصطفى شردى وجمال بدوى. بدأ سعيد عبدالخالق رحلته متدربا فى صحيفة الأخبار مع مصطفى أمين فى قسم التحقيقات، وعندما خرجت أول صحيفة حزبية هى "الأحرار" فى عام 1977 رشح مصطفى أمين تلميذه المشاغب صلاح قبضايا ليرأس تحريرها، فضم عناصر مشاغبة ودماء جديدة كان منها سعيد عبدالخالق ابن حى شبرا، وصاحب الخبطات المبهرة، فكان أول من اقتحم مافيا المساكن الشعبية وتجار الفراخ الفاسدة، ودخل فى عش الدبابير ليواجه سيد مرعى رئيس مجلس الشعب، ويكشف عن نواب التأشيرات المضروبة، وتتوالى تحقيقات سعيد عبدالخالق وقلمه الساخر اللاذع الذى يصيب دون أن يخلف قتلى، ويعشق المستند والمصادر الخفية، ويقتحم أعتى مناطق الشر والنفوذ. وقد تحولت تحقيقات سعيد عبدالخالق الى استجوابات فى البرلمان، وطالب بعض النواب بسجنه بينما طالب آخرون بفصله من صاحبة الجلالة وكانت إرادة الله وحماية الرأى العام فوق كل نفوذ. وعندما خرجت صحيفة الوفد من شقة صغيرة بالمهندسين كإصدار أسبوعى برئاسة تحرير تلميذ مصطفى أمين أيضا "الكاتب المشاغب مصطفى شردى"، اختار معه سعيدعبدالخالق ليضيف للتجربة الوفدية الجديدة ثراء وقيمة فابتكر باب "العصفورة" الرمزى الساخر اللاذع القوى، ليصبح إضافة جديدة لعالم الصحافة، فكان يلقب كل نائب أو وزير بلقب فهذا نائب التأشيرات أبولمعة وذلك مدبولى الفشار وهذا وزير القمار وهكذا، كانت ألقابه لاذعة تكشف حقيقة الفساد المستتر، وقد تعرض سعيد عبدالخالق لحملة مراقبة من زكى بدر وزير الداخلية الراحل ليعرف مصادر أخباره، فكان عبدالخالق يجلس فى المسجد وبجواره يصلى الضابط سفير نور "اللواء فيما بعد" وعضو مجلس الشعب حاليا، وعندما تنتهى الصلاة يصافح نور سعيد ويسلمه ورقة صغيرة بها سر آخر عن زكى بدر. كان فؤاد باشا سراج الدين يعتبر سعيد عبدالخالق ابنه فى مدرسة السياسة، وكان يخصه بأدق الأسرار السياسية والتحالفات الوفدية، وكيف نجح فؤاد باشا فى احتواء الإخوان بدلا من هيمنتهم على حزب الوفد. قاد سعيدعبدالخالق أثناء عضويته بمجلس نقابة الصحفيين حملة ضد الصحف القبرصية الصفراء، التى كانت تبتز السياسيين ورجال الأعمال وتسىء لمصر، حتى أن الرئيس مبارك ذكر تلك الحملة فى خطاب له وعلق على ذلك الكاتب الكبير إبراهيم سعدة، وتبنى حملة عبدالخالق فى أخبار اليوم، وتسبب سعيد عبدالخالق فى صدور قرار بإلغاء التراخيص القبرصية للصحف وقصرها على لندن. رحم الله رجلا كان يرفض الخروج على مبادئ الوفد حتى آخر قطرة من دمه، ولذلك قاد حملة ضد رئيس حزب الوفد السابق دكتور نعمان جمعة واتهمه بأنه كان عضوا فى التنظيم الطليعى الناصرى بالوثائق، وأنه أتى لتخريب حزب الوفد، وانحاز عبدالخالق للوفديين ولتاريخ طويل من الليبرالية والديمقراطية، رحمه الله وعفى عنه، وألهم أهله وذويه ومحبيه وتلاميذه الصبر والسلوان.