"ماذا سيكون تأثير الموت علي؟ وعلي الآخرين؟ لا شيء..ستنشر الصحافة نبأ موتي كخبر مثير ليس لأني مت..بل لأن موتي سيقترن بحادثة مثيرة"، كلمات بسيطة تنبأ فيها يوسف السباعي باغتياله، في رواية طائر بين المحيطين التي صدرت عام 1971. لم يكن السباعى مجرد كاتب رومانسي فقط، بل كانت له رؤية سياسية واجتماعية قوية، فقد أشتهر بدفاعه الشرس عن موقف السادات الداعم للسلام، كما رافقه فى رحلة القدس الشهيرة حالماً بعودة الحقوق العربية، لكنه مات قبل تحقيق أحلامه، حيث تم اغتياله في قبرص علي يد اثنين من المتطرفين العرب، بعد مشاركته فى زيارة "إسرائيل"، رغم رفض معظم الشعوب للتفاوض والسلام معها سواء بمفاوضات معلنة، أو سرية. ولد السباعي في العاشر من يونيو عام 1917 والتحق بالكلية الحربية في نوفمبر عام 1935 وتمت ترقيته إلي درجة "الجاويش" وهو في السنة الثالثة، تم تعيينه في سلاح الصواري بعد تخرجه وأصبح قائداً لإحدي فرق الفروسية، وفي عام 1940م عمل بالتدريس في الكلية الحربية بسلاح الفرسان، وأصبح مدرساً للتاريخ العسكري بها عام 1943م، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى رتبة عميد. وبدأت رحلة يوسف السباعي الإبداعية مبكراً، ففي مدرسة شبرا الثانوية كان يجيد الرسم، وقام بإعداد مجلة حائط كان يرسمها ويكتبها، ونشر فيها أولي قصصه عام 1934م وعمره 17 عاماً، وكانت بعنوان "فوق الأنواء"، أما قصته الثانية فكانت بعنوان "تبت يدا أبي لهب" ونشرها له أحمد الصاوي في مجلة "مجلتي" عام 1935م، وفي عام 1945م كانت تصدر في مصر مجلة أسبوعية بعنوان "مسامرات الجيب" لصاحبها المترجم "عمر عبدالعزيز"، وكان السباعي ينشر فيها قصة كل أسبوع. وقدم السباعى 21 مجموعة قصصية، قدمت بعضها في السينما والتليفزيون، حيث بدأ التركيز علي الأدب في منتصف الأربعينيات ليؤكد وجوده كقاص، ونشر عدداً من المجموعات القصصية، أعقبها بكتابة عدد من الروايات أهمها "السقامات"، "العمر لحظة"، "نحن لا نزرع الشوك"، والتى كانت سبباً فى إطلاق الوسط الثقافي عليه لقب "فارس الرومانسية". وإتسمت أعماله بانها الأعلى توزيعاً، كما كان تحويلها مباشرة إلى أفلام يصفها النقاد بأنها أكثر أهمية من الروايات نفسها، حيث ظلت في بؤرة الاهتمام الإعلامي والسينمائي. واشاد الكثير من النقاد بأعماله باعتبارها نهاية لمرحلة الرومانسية في الأدب، وإنها تداعب احتياجات مرحلة عمرية لفئة من القراء صغار السن. واقترن ذكر يوسف السباعى ببعض ألافلام التى أخذت عن أعماله، ومن بينها "إني راحلة" و"رد قلبي" و"بين الأطلال" و"نحن لا نزرع الشوك" و"أرض النفاق" و"السقا مات"، كما قام التليفزيون المصري بانتاج مسلسلا عن حياته بعنوان "فارس الرومانسية". وتم إختيار يوسف السباعى كمديراً للمتحف الحربي عام 1949، وفي عام 1956عين سكرتيراً عاماً للمجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وفي عام 1957 شغل موقع سكرتيرعام منظمة تضامن الشعوب الأفرو- آسيوية. وجمع السباعي في تلك الفترة ما بين عالم الأدب والحياة العسكرية وبدأ مسيرته في العمل العام بإنشاء نادي القصة، ثم تولي مجلس إدارة وتحرير عدد من المجلات والصحف، حيث تم تعيينه عام 1960 رئيساً لمجلس إدارة "دار الهلال"، ثم رئيساً للتحرير عام 1971، وحصل يوسف السباعي على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1973، وفي العام نفسه تم إختياره وزيراً للثقافة، وفي عام 1976 شغل موقع رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون ورئيساً لمجلس إدارة مؤسسة "الأهرام" ورئيساً للتحرير، إضافة إلي منصب نقيب الصحفيين، وتدرج فى العديد من المناصب إلى أن وصل إلي منصب وزير الثقافة. وتولى وزارة الإعلام في الفترة من 18 أغسطس 1975وحتى 27 أكتوبر 1975، وأسهم في إنشاء العديد من المؤسسات الثقافية كنادى القصة، وجمعية الأدباء، ونادى القلم الدولى، واتحاد الكتابة، والمجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب، والتى وصفه توفيق الحكيم بسببها بأنه "رائد الأمن الثقافي" بسبب دوره فيها. وامتدت إليه يد الغدر، وقامت باغتياله بقبرص في 18 فبراير 1978، خلال حضوره مؤتمر لمنظمة التضامن الأفريقي الآسيوي بصفته وزيراً للثقافة، واثناء توجهه إلي قاعة المؤتمر، قطع الصمت صوت ثلاث رصاصات انطلقت في الهواء بسرعة، لتسكن في قلب السباعي، ليفارق الحياة عن عمر يناهز 61 عاماُ. واعلنت وكالات الأنباء في بداية أن القاتلين فلسطينيان، واتضح فيما بعد أن أحدهما فلسطيني والآخرعراقي، وما لبثت منظمة التحرير الفلسطينية بنفي علاقاتها بالحادث بينما أصرت الصحافة المصرية علي اتهامها لها. وأقيمت المراسم الجنائزية لدفن يوسف السباعي بحضور نائب رئيس الجمهورية وقتئذ، محمد حسني مبارك، والعديد من كبار الشخصيات السياسية والادبية، وشهدت مراسم الجنازة ردود أفعال شعبية ورسمية ضد "القضية الفلسطينية"، ليُسدل الستارعلي قصة اغتيال فارس الرومانسية.