غياب المعايير المهنية في اختيار القائم بالرسالة الإعلامية سواء كان مذيعا أو مقدما للبرامج أو مراسلا أو محررا إلى آخره من التخصصات الإعلامية المعنية بتوصيل الرسالة الى المتلقي نتيجة تقدم العوامل الكمية على فكرة الكيفية ساهم في تكريس ما يمكن تسميته فوضى «المولد» الإعلامي. وما تقدم ينقلنا الى سبب ادى الى هذا المشهد العبثي هو اعتماد معايير مختلفة عن المعايير المهنية منها الواسطة أو معايير شكلية لايعنيها المضمون بعبارة أخرى امتلاك أدوات المهنة ونجد ان بعض القنوات تسير على نهج التقليد الأعمى للغير ومحاكاة ثقافات تتناقض مع ثقافة المجتمع المصري وهناك مثل صارخ يتمثل في استقدام مذيعات من دول اخرى ليقدمن بلهجات غريبة نشرات الاخبار أو البرامج من خلال قنوات مصر الفضائية رغم وجود كوادر إعلامية مصرية تفوق هذه النماذج المستوردة اذا احسن تدريبها للعمل امام الشاشة. ونلاحظ ايضا استسهال بعض الإعلاميين من حيث عدم البحث عن الأفكار المبتكرة الجديدة ما أدى الى قيامهم بتمصير تجارب الغير البرامجية شكلا ومضمونا وهذا الغير له ثقافته وعاداته وتقاليده ويعتبر النقل الحرفي للقوالب البرامجية الأجنبية رغم جاذبيتها أمرا له تأثيراته السلبية على ذوق المتلقي وساعد على ذلك سيطرة الإعلان على الإعلام لأن ما سميناه فوضى «المولد» الإعلامي أتاح الفرصة لكي تصبح هناك حسابات أخرى غير الوظيفة الاعلامية ومنها كم الاعلانات على شاشة القناة وينجذب الاعلان دائما للموضوعات البرامجية المثيرة والغريبة فاذا قلت مثلا لوكالة اعلانية أيهما تفضلين الإعلان في برنامج عن تطور وتاريخ الموسيقى الشرقية أو الإعلان عن برنامج مسابقات للرقص الشرقي طبيعي سيفضل صاحب الوكالة الاعلانية برنامج الراقصات لأنه يعتقد أنه الأكثر إثارة وجذبا للمشاهد أو هكذا توحي له بعض الجهات المعنية باستطلاع نسب المشاهدة دون أساس علمي أو موضوعي. ومن مظاهر «المولد» الإعلامي أن بعض القنوات لا تفصل بين ملكية الوسيلة الاعلامية والسياسة التحريرية حيث يخضع العاملون بالقناة لإرادة المالك لأنه المتصرف في شئونهم ويمثل الخروج على ارادته الفصل من القناة خاصة ان كثيرين ممن يعملون في القنوات الخاصة ليست لديهم اية صيغة تعاقدية مع القناة الأمر الذي يجعل استمرار الإعلامي في وظيفته مرتبطا برضا مالك القناة عنه حيث لا يوجد حتى هذه اللحظة اي جهة تحمي الاعلامي ومن بينها بالطبع نقابة مهنية للاعلاميين. واستمرارا لحالة الفوضى كان من الطبيعي التأخير في صدور ميثاق للشرف الإعلامي يلتزم به الموقعون عليه رغم ان وجوده يمثل أحد استحقاقات ثورة الثلاثين من يونية 2013 وهو موجود كنص او نصوص نتفق أو نختلف عليها لكن لم تتخذ الجهات المعنية بالاعلام سواء اتحاد الاذاعة والتليفزيون أو غرفة صناعة الاعلام أو حتى كليات الاعلام أي خطوة نحو تفعيل ميثاق الشرف الاعلامي لأن هذا الميثاق رغم أنه التزام مهني وأخلاقي للعاملين بمهنة الاعلام ويلزم فقط الموقعين عليه إلا أنه سيكون المظلة التي تحمي الاعلام من الخروج على تقاليد المهنة ويجعل غير الموقعين نغمة نشاز في ظل منظومة متناغمة الامر الذي يدفع غير الموقعين الى المسارعة للتوقيع والانضمام الى مظلته. إذن يصبح الميثاق حاميا بدرجة أو بأخرى للإعلامي من تعسف الإدارة ويساعد على ذلك كما أشرنا إلى وجود نقابة مهنية للاعلاميين ونرى أنه يصبح من بين وظائفها الارتقاء بالمهنة وحمايتها من الدخلاء والمتأعلمين – إذا جاز التعبير - والوقوف إلى جانب الاعلامي عند الدخول في أية مشكلة مع أي طرف آخر مثل الحكومة أو مالك الوسيلة الاعلامية التي يعمل فيها ومن هنا يضمن الإعلامي حقوقه ويتمتع بكل الامتيازات التي هي من حق أي عضو عامل وهذا حديث آخر.