أعادني هروب البرتغالي «باتشيكو» من الزمالك لذكريات عشتها وعاصرت تفاصيلها بسيناريو قريب الشبه مع اختلاف جنسية المدرب.. الحكاية كانت عام 1995 والمكان العاصمة التونسية والمدرب هو الهولندي راوتر المدير الفني للمنتخب الوطني. كانت الرحلة مزدوجة نصفها ودي في تونس والنصف الآخر رسمي في الجزائر، في تونس كنا على موعد مع مباراة ودية تمهد لمواجهة الجزائر في التصفيات المؤهلة للأمم الأفريقية. بعد خسارتنا بهدفين في ودية تونس وليلة السفر الى الجزائر، وفي جلسة بلوبي الفندق جمعت بعض الاعلاميين مع راوتر ومعاونيه، كان المدرب الهولندي متفائلاً وأكد أن خسارة مباراة تونس الودية ستكون دافعاً قوياً لتصحيح الأخطاء قبل لقاء الجزائر الرسمي. وتخلل كلام راوتر بعض الضحكات لإصراره على نطق بعض الكلمات التي تعلمها بالعربية، ومعظمها «مكسر» لكنه عبر عن حالته النفسية الجيدة وتطرق الحديث لكيفية تطوير الكرة المصرية وأن هناك مواهب لو اهتموا بالتدريب الجيد وزادت طموحاتهم المحدودة لتحقق لهم وللكرة المصرية الكثير، وأن لديه خطة طويلة المدى للنهوض باللعبة. فجأة.. قطع حديثنا أحد العاملين في الفندق، وأشار الى راوتر أن لديه مكالمة هاتفية من هولندا، انتفض المدرب وتوجه مسرعاً الى الاستقبال وتابعته بنظراتي، بينما انشغل الجميع في مناقشة آرائه بشأن الكرة المصرية. تغيرت تقسيمات وجهه أثناء المكالمة الهاتفية، ووضح عليه الانفعال الشديد، وظل يضرب بيده على طاولة بجواره.. وعاد راوتر الى الجلسة وبدلاً عن استكمال حديثه عن الكرة المصرية، استأذن وصعد الى غرفته! ساعات قليلة مرت.. ثم اكتشفنا صباحاً أن راوتر غير موجود أثناء وجبة الافطار، وتأكدت أنه هرب الى بلاده مبكراً، وأن المكالمة الهاتفية كانت من زوجته في هولندا حذرته من السفر الى الجزائر لأن الارهاب يضرب فيها بقوة ويقتلون الأجانب. زوجة راوتر حجزت له تذكرة العودة وأكدت ضرورة سفره فوراً، واستجاب المدرب وحمل حقائبه ورحل سراً! سافرت البعثة من تونس الى الجزائر بدون راوتر وقاد اللقاء الكابتن محسن صالح ومعه مدرب الحراس الكابتن حسن مختار، ورغم الخسارة بهدف الا أن المنتخب قدم مباراة قوية. ويأتي فوز الزمالك على بتروجت بقيادة محمد صلاح ليؤكد أن الفريق لم يتأثر برحيل باتشيكو الذي لم يمتلك الشجاعة الأدبية للاعتذار وفضل الهروب الذي يعتبره الكثير من الأجانب هو الحل!