مفتاح شعيب الأخبار المتوالية عن خطف رعايا مصريين في ليبيا وذبح بعضهم بوحشية لا متناهية، تظهر أن السفاح لم تعد لديه حدود تمنعه عن ارتكاب الجريمة، وبلغ به الحقد والتشفي درجة من الإرهاب لا يستوعبها عقل، فمن يستهدف مدنيين غرباء عن وطنهم لا يمكن أن يكون كائناً بشرياً له قلب وضمير، ويستدعي الرد عليه منتهى الحسم والشدة . القاهرة تلقت رسائل هذه الجرائم، وترجمتها تعني أن الدولة المصرية التي حققت نجاحات في مكافحة الإرهاب وبدأت تبلور عقيدة إقليمية لاجتثاثه، ستدفع ثمن سياساتها تلك من دماء أبنائها، بالتعرض إليهم خصوصاً في ليبيا التي أصبحت مفرخة للإرهابيين، وعامل تهديد لنهوض مصر كما المنطقة . وما الاجتماع الطارئ للجامعة العربية حول الإرهاب في ليبيا إلا دليل على جسامة هذا التحدي الذي يجب كسبه مهما كانت التضحيات . فأغلب شعوب المنطقة، ومنها الشعب الليبي، لم تعد تحتمل المزيد من الخسائر . وبقطع النظر عما يحصل في سوريا والعراق من إرهاب "داعشي" يتجاوز المنطق، لم تعد الحال في ليبيا مختلفة، فقد بدأت مشاهد الرؤوس المقطوعة والجثث المجهولة والخطب التكفيرية التي يقشعر منها البدن تنتشر بكثافة، ولا يكاد يمر يوم من دون خبر مروع من هذا القبيل . وإذا لم يكن ذلك في ليبيا نراه في سيناء أو تونس أو الجزائر، والقاتل واحد، وإن اختلفت الجغرافيا، وهو ذلك الإرهابي المأزوم الذي لم يجد حاضنة شعبية تبرر أفعاله، فما كان منه إلا أن ينتقم ويختار ضحاياه من الأبرياء ليحدث أكبر قدر من الترويع . أغلب الظن أن هذه الظاهرة القبيحة ستتعاظم في الفترة القليلة المقبلة، فالجماعات الإرهابية الملاحقة تلقت ضربات قاصمة في المراكز والحواضر لتدفع إلى الأطراف في الصحارى والشعاب للتربص بعابري السبيل وقتلهم وذبحهم بلا ذنب . ومازالت قصة العائلة القبطية التي ذبحت الشهر الماضي في مدينة سرت الليبية شاهدة على هذا الهول . وهناك أنباء عن اختطاف عمال مصريين غربي ليبيا، كما هناك رعايا تونسيون وأفارقة مختفون منذ فترة وظل مصيرهم مجهولاً ويحتمل كل المفاجآت . وهذا التصعيد بحق الأبرياء في ليبيا سببه التدهور الأمني الكبير، وانعدام سلطة الدولة، أما أكبر دافع له فهو تقهقر الميليشات المتطرفة وفقدانها مناطق سيطرتها . وحين تتعرض مثل هذه الجماعات إلى الهزيمة، فإن فلولها سترتكب جرائم فوق التصور، تشفياً في الضحايا وحقداً على القوى التي تحارب الظلام بالتنوير . كل ما يحصل من جرائم لا يمكن تبريره، ولكن تلك الفظاعات المقصودة تؤكد أن الإرهاب يتدحرج إلى حتفه، وأن المعركة ضده تحقق مكاسب ميدانية مثلما يحدث في مصر ويتأكد في تونس ويدور في الأراضي الليبية . ولا يبدو من سبيل لمواجهة تلك الجماعات بغير القوة، فالإرهابيون اسم على مسمى، لا مشروع لهم سوى الترهيب والقتل، يدفعهم في ذلك حقد عارم على من ليس منهم . ولذلك فإن اقتلاع هذه الفئة المتاجرة بالدين مهمة مقدسة سيحقق النجاح فيها حفظ الأنفس والأعراض والدين الإسلامي ذاته . نقلا عن صحيفة الخليج