من يتصور يوما أن الثورة جاءت لهدم الدولة فانه واهم أو مغرض ومدفوع من جهات لا تحب الخير للوطن، أو مغرر به ومخدوع ولا يدرك أنه بدون بقاء الدولة ومؤسساتها قوية، لا ولن تحقق الثورة اي ثورة أهدافها، فالفوضي الخلاقة التي بشرت بها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية ابان غزو واشنطن وحلفاؤها للعراق في 2003 ليست إلا جزءا من مخطط هدم الدول من الداخل وتفتيتها لتظل خاضعة لبلاد السارق سام وابنائه كجزء من مخطط الشرق الأوسط الجديد، ما يهمنا هنا ان نؤكد أن من مصلحة الثورة أن تظل الدولة قوية ومتماسكة حتي تستطيع محاربة الفساد، وتحقق الأهداف التي خرج من أجلها الملايين لاقامة دولة ديمقراطية حديثة يسودها العدل وتحترم القيم الاسلامية، ولا نجد أنفسنا أمام دولة مقسمة ومتناحرة، تمزقها الخلافات والنزاعات الطائفية كما نشاهد في ليبيا وسوريا والصومال وغيرها، وهو ما خطط له الحلف الصهيوأمريكي وعملاؤه في المنطقة ونجحنا في 30 يونيه في افشاله. في المقابل مخطئ من يحاول تحميل شبابنا مسئولية سنوات الفوضى والارتباك التي صاحبت ثورة يناير ومحاولة البعض اختطافها وسرقتها، وفاسد وسارق وساذج ومصاص دماء الغلابة من يروج انها مؤامرة فالشعب المصري وفي طليعته الشباب خرج من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وجميعها أهداف نبيلة، ولو تحققت لأصبحنا أمام واحدة من أهم ثورات التاريخ، فالشباب الذي يمثل 60 % من المصريين حلم ومازال يحلم بمصر العظيمة والقوية والتي يسودها العدل والمساواة وتضع الرجل المناسب في المكان المناسب معتمدة علي الكفاءات، وتتقاطع تماما مع الواسطة والمحسوبية وكروت التوصية، فالشباب هم أنبل من فينا، ولابد أن تقوم الدولة بدعمهم بقوة ليقودوا المستقبل ويشاركوا في بناء الوطن دون مجاملات أو ترضيات، وعليها أن تعيد من خرجوا على النص الوطني بالود والاحتواء، وتبعدهم عن محور الشر والعابثين بالوطن، فلن تتقدم دولة لا تستفيد من كامل طاقات شبابها وتحميهم من الانحراف والأخطار وبلطجية الامبريالية الجديدة. الحقيقة أن شبابنا ظل مهملا لعقود طويلة ولم نشاهده الا رقما في دفتر وفيات الوطن إما غرقا في مراكب الهجرة غير الشرعية أو عبارات الموت، أو محروقا في قطار الصعيد، أو تائها علي الارصفة بائعاً متجولاً، او مريضا في مستشفيات حكومية تشبه مقالب القمامة تنهشه أمراض السرطان، أو كارها للوطن ومهاجرا بتذكرة ذهاب بلا عودة، أو مغيبا في عالم الحشيش والمخدرات، وهذا ما لا نريده أبداً، فلدينا صورة أخري مشرقة لملايين من الشباب النابهين والعباقرة والكادحين يحلمون بنصف فرصة لإثبات ذاتهم وخدمة بلدهم، وهو ما يستوجب اهتماما حقيقيا من الرئيس والدولة ليصبحوا رصيدا مضافا، وليسوا قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، وحتي لا نتركهم فريسة سهلة للفكر المتطرف أو الغرب الباحث عن عملاء دائما. الحقيقة أن شبابنا الذين اسقطوا نظامي مبارك والإخوان ليسوا خونة، وإن اندس بينهم من خان، وبالتالي فان دعم وتمكين الشباب واجب وطني وليس مجرد مانشت في جريدة أو خبر في نشرة تلفزيونية، لابد أن يكون التمكين مشروعا قوميا حقيقيا فبدونه لن نحقق أي تقدم منشود، لذا فإن بناء دولة العلم والعمل لابد أن يكون غايتنا الأولي والأخيرة لنقدم للانسانية أجيالا قادرة علي نفع البشرية جمعاء، أجيال تدرك أن بقاء الدولة قوية متماسكة ضرورة لا غني عنها وبدون ذلك فإننا نسلمها فريسة سهلة لاعدائنا، وتعلم ان الثورة جاءت لترشيد الدولة ووضعها علي القضبان السليم وليس لطعنها من الخلف، وطرحها علي الأرض، فوقتها سنخسر كل شىء ولن نجد دولة وسيكفر شعبنا بالثورة التي أراها حدثا وطنيا بامتياز لابد أن نبني عليه بقوة وإيجابية. يبقي التأكيد أن الشباب الذين شاركوا في الثورة أو دعموها ليسوا فقط من تصدروا المشهد أو اصبحوا نخبة الشباب السياسية، فهؤلاء جزء من كل، ولا يجب ان يتحولوا الي أمراء حرب يريدون جني المغانم لأنفسهم فقط، فرغم أن دورهم يقدر والاستعانة بهم وتوظيفهم بما يخدم الوطن واجب، لكن علي قدم المساواة مع باقي شباب مصر فالمعيار الوحيد هنا هو الخبرة والكفاءة فلم نناضل لإسقاط الفاسدين لنرثهم، ولم نبعد من احتلوا مؤسساتنا زورا وبهتانا لنجلس علي مقاعدهم، فعلنا ذلك من أجل عدالة تطال الجميع ووطن يستوعب الكل وفقا لقدراتهم فقط، ورغم ترحيبنا بما أعلنه رئيس الوزراء ابراهيم محلب من معايير لاختيار معاونين للوزراء من داخل الوزرات فإنها تبدو خطوة علي الطريق الصحيح في مظهرها لكنها بلا مضمون في جوهرها فالشباب لم يطالبوا ان يتواجدوا في مستويات القيادة العليا كديكور أو «ورد زينة» لذا وجودهم كمعاونين يعتبر ردة وخطوة للوراء بعدما كانوا في حكومة الببلاوي نوابا ومساعدين للوزراء، إلا أنه الأخطر أنهم بلا صلاحيات أو قرارات قابلة للتنفيذ وهو ما يستوجب مراجعته انظروا الي عمر ديفيد الكاميرون رئيس وزراء بريطانيا «41 عاما» وتعلموا. كما أن دعوات الرئيس المتكررة لمشاركة الشباب في الحياة السياسية لم تترجم حتي الآن الي واقع فأغلب الاختيارات تتم من خلال المحيطين بأشخاص بأعينهم وتجاهل الدائرة الاوسع التي تضم جميع شباب الوطن بلا استثناء، وصناعة شباب الشو الاعلامي والعمل السياسي الوهمي واستخدامهم ككروت مؤقتة خطر، فمن لا يمتلك رؤية وقدرات واخلاقيات راسخة لن يستمر طويلا وسيحرق نفسه بنفسه، كما حدث مع كثيرين بعد ثورتي يناير ويونيو، والرهان علي شباب تحوم حولهم الشبهات أو مدعومين من رجال أعمال مشبوهين خطر كبير لا يجب أن يقع فيه النظام الجديد الذي نراه الأمل في مستقبل أفضل لنا جميعا. وأخيرا فإن وجود الشباب في البرلمان القادم لابد أن يتجاوز 100 نائب علي الأقل وعدم الاكتفاء بال 16 مقعداً في القوائم، فهذا البرلمان هو الاهم في تاريخ مصر، ولابد ان يشارك الشباب في بناء دولتهم وإنجاز ثورتها التشريعية التي تتوافق مع الدستور الجديد، بعدما شاركوا في إنجاح ثورتهم الشعبية مؤمنين بأن الحفاظ علي الوطن وسلامته وتحقيق تقدمه غايات لابد أن تتحقق، فالثورة والدولة طريقهما واحد ودخولهما في اي صراع سيجعل الجميع خاسرين خاصة الشباب وهو ما لا يجب أن يحدث.