طفت على السطح خلال اليومين الماضيين قضية الصحراء المغربية، بعد التقريرين اللذين أذاعتهما القناتين الأولى والثانية المغربيتين في أول أيام سنة 2015 حول الوضع في مصر، والذي انفردت "بوابة الوفد" بتسليط الضوء عليه. وقدم التقريران اللذان أذيعا بشكل متزامن تقريبًا، واستعملا مصطلحات من قبيل "الانقلاب" في وصف أحداث 30 يونيو وما تلاها، واضطهاد المعارضة والأحكام القضائية المتعسفة. وتوالت ردود الفعل الرسمية والشعبية حول التقريرين، اللذين سببا صدمة قوية وضربة للعلاقات المغربية المصرية المتميزة، خلال العقود الماضية. وبالعودة إلى موضوع "قضية الصحراء"، فإن مصر كانت ولا تزال تساند المغرب وتدعمه في حقوقه التاريخية في هذه القضية، ومع وحدة الأراضي الوطنية المغربية، وضد التقسيم تحت أي اسم. العقود الأربعة الأخيرة شهدت موقفًا موحدًا لم يتغير بشأن قضية الصحراء، من القيادات المصرية المتعاقبة، بدءًا من الراحل أنور السادات والمخلوع مبارك وإبان فترة المجلس العسكري والمؤقت عدلي منصور والمعزول محمد مرسي. ودائمًا ما تميزت علاقات مصر والمغرب بأن اللجنة المشتركة الدائمة بين البلدين، تم رفع رئاستها من رئاسة الوزراء إلى مستوى القيادات في البلدين "الرئيس والملك"، وكانت تعقد سنويًا بشكل لم ينقطع، كما دعمت القاهرة موقف الرباط في ترأس لجنة القدس المعنية بالدفاع عن المدينة المقدسة في فلسطينالمحتلة. وتصنف قضية الصحراء الغربية على أنها من أقدم النزاعات في إفريقيا، إذ يقترب عمرها من إكمال عقده الرابع، لكنها تبدو مستعصية على الحل ثنائيًا أو عربيًا أو إفريقيًا أو حتى دوليًا، إذ تعتبرها الأممالمتحدة أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو. كما أن الحل الثنائي ينحصر بين المغرب والبوليساريو ومن ورائها الجزائر لحسم تلك القضية في أسرع وقت ممكن، لكنه بات حلمًا بعيد المنال في ظل حالة المد والجزر بين الجارتين، القوتين المحوريتين في القضية، في ظل غياب دائم للحل العربي، حيث لم يكتب النجاح للوساطة السعودية، إضافة إلى خلو جامعة الدول العربية وأوراقها من أي ذكر للقضية، أما إفريقيا فالعجز ظاهر للعيان. وفي ما يتعلق بالحلول "العابرة للأطلسي" فلم تفلح هي الأخرى، ولم يكن أيّ منها موضع اتفاق بين الطرفين المغرب والبوليساريو، مما جعل الحوار بينهما لا يعدو أن يكون "حوار الطرشان"، وظلت القضية بندًا ثابتًا في الأممالمتحدة تعاقب عليه أربعة أمناء لهذه المنظمة الدولية. أما الاستفتاء الذي كان مطروحًا خلال ثمانينات القرن الماضي والذي كان بمقتضاه سيؤول إما إلى انضمام الصحراء إلى المغرب، وهو أمر ترفضه البوليساريو، أو إلى الانفصال عنه وتكوين دولة الصحراء الغربية المستقلة، وهي مسألة لا يقبلها المغرب أيضًا ويرى فيها خرقًا لسيادته، لكن عملية الاستفتاء تعطلت بسبب عدم الاتفاق على من يحق له المشاركة فيه. وجاء خيار الحل الثالث المقترح من قبل وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر الذي سبق أن عُيّن مبعوثًا أمميًا للصحراء منذ العام 1997 وحتى استقالته عام 2004، وهو يقوم على منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا واسعًا تحت الإدارة المغربية، لكن البوليساريو - ومن ورائها الجزائر - رفضته بينما وافق عليها المغرب. وطرح الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان خيار التقسيم حلًا رابعًا عام 2002 على أن يكون للمغرب الثلثان وللبوليساريو الثلث، فسارع المغرب إلى الرفض القاطع متهمًا الجزائر المرحبة بهذا الحل آنذاك بأن لها أطماعًا إقليمية، في ما لا تزال القضية مدرجة تحت البند السادس من ميثاق الأممالمتحدة الذي يجعل قراراتها غير ملزمة بالنسبة لأعضائها. يذكر أن عدد سكان الصحراء يبلغ قرابة 383 ألف نسمة حسب إحصائيات 2005، يعيش 25% منهم خارج الصحراء في مخيمات اللاجئين بتندوف الجزائرية، وسكان الإقليم من أصول عربية وأمازيغية، واللهجة العربية المتداولة في الإقليم هي اللهجة الحسانية، وهي مزيج بين الأمازيغية والعربية، كما يغلب في المنطقة مذهب الإمام مالك. ويسيطر المغرب على 80% من مساحة الصحراء ويديرها بصفتها "الأقاليم الجنوبية"، ومدينة العيون أكبر مدنها حيث يتمركز فيها غالبية السكان. أما ال20% المتبقية من مساحتها فتشكل المنطقة العازلة بين المغرب وموريتانيا وتتميز بعدم وجود سكاني كثيف بها.