عمر ومحمد.. نموذجان كلاهما فاقد البصر. كلاهما لم يلمح النور إلا بصيص أمل منذ خروجهما للحياة ولكنهما امتلكا بصيرة نافذة ومواهب فاقت المبصرين في الإنشاد والابتهال وتلاوة القرآن والغناء وعزف الموسيقى والتلحين. عمر ومحمد لم يلتقيا قط ولكنهما اتفقا في نفس الظروف والتحدي والإرادة وحب الابتهال والعزف قاهرين الظلام بموهبتيهما. عمر شاب في التاسعة عشرة من عمره فقد بصره منذ ولادته، حباه الله بصوت ندي عذب تغنى به في حب الله ومدح النبي وأشعار وألحان موسيقية اذيعت في محطات إذاعية. وجد فى الموسيقى كل ما يتمناه. عاش بها ومعها منذ ان كان طفلا صغيرا، فكانت هى المرآة التى طل من خلالها على الدنيا. ويقول عمر فرحان عبد المجيد «طالب» منشد ومبتهل: «الموسيقى هي بصري أتخيل معها كل شيء وأرى بها الجميع وتابع قائلا: «شفت» بالموسيقى الزرع، والنيل، والبحر والسماء والطيور واستشعرت معها صدق الصادقين وكذب الكاذبين أحسست بالطيبين واصحاب النفوس السيئة أيضا، فالموسيقي هي مرآتي التي عوضني الله بها عن عيني. وأضاف والدي يعمل منشدا ومبتهلا بالإذاعة والتليفزيون وكان سببا في عشقي للموسيقى فقد وجدت فيها ملاذي ورغم أنني ولدت وتربيت داخل قرية فإن والدي كان حريصا منذ كنت في الثامنة على تعلم فنون الموسيقى خاصة العزف على آلة العود بالرغم من إهمال بعض المدرسين لي وعدم التزامهم بمواعيد التدريبات إلا أننى بدأت أقرأ وأتعلم وأطبق ما قرأته بنفسي، حتى اشتركت بالفرقة القومية بالاسماعيلية وهناك بدأ المدربون والعازفون وأبرزهم أشرف عوض الله الاهتمام بموهبتي وثقلها بالتدريب المستمر. وتابع: قررت أن أسعى لتحقيق حلمي بدراسة الموسيقى والتحقت هذا العام بكلية التربية الموسيقية بعد أن أنهيت دراستي بالمرحلة الثانوية بمدرسة الأمل للمكفوفين وحصلت على مجموع 78%، وأضاف: «أتمنى الالتحاق بقسم النظريات والتأليف الموسيقى لأحقق حلمي وأكون منشدا ومبتهلا مثل الشيخ محمد عمران أحد كبار المبتهلين في الإذاعة المصرية، وملحنا مثل الموسيقار الراحل عمار الشريعى. وقال: «قمت بأداء 30 دعاء وابتهالا كتبها خصيصا لى الشاعر الإسماعيلاوى محمد على راشد، وقام هو بتلحينها وأذيعت بإذاعة القناة في شهر رمضان الماضي، وأقوم حاليا بإنشاد ابتهالات لأسماء الله الحسنى وتقديمها بشكل جديد سيتم إذاعتها بإذاعة القرآن الكريم، والإعداد لابتهال رحلة الحج، فضلا عن مشاركتي في تلحين أوبريت «عاوز بابا» وسيشارك به مجموعة من المطربين الموهوبين ويدور الاوبريت عن معاناة الطفل اليتيم. أما محمد عبدالله - 11 سنة، طالب بالصف السادس الابتدائي بمدرسة النور والأمل ما إن تستمع لصوته الشجي وهو يتلو آيات الذكر الحكيم ولمقطوعاته الفنية التي يعزفها على جيتاره إلا وتشعر أنك امام شخص ناضج انسانيا وفنيا لباقته وذكائه وخفة ظله جعلت منه محطا لأنظار الكثيرين ممن يتعامل معهم.. فما إن يحين موعد الصلاة حتي يسرع نحو شرفة غرفته ليفتح النافذة ويشدو بصوته العذب الأذان، وإقامة الصلاة.. وما إن يستمع لمقطوعة موسيقية في التليفزيون أو على جهاز الحاسب الشخصي له فيسرع نحو جيتاره عازفا ما سمعه. وتقول السيدة سمية والدة محمد «ولد محمد كفيفا بدون قرنية في عينيه الاثنين. في البداية شعرت بالحزن لكن مع مرور الوقت استشعرت حكمة الله من هذا الابتلاء ووجدت في طفلي من الذكاء والفطنة واللباقة ما جعله متميزا عن جميع من في سنه من الأسوياء». وقالت: «تعرفت على موهبة محمد عندما بدأت ألاحظ تفاعله مع صوت الأذان وتحينه مواعيد الصلاة ليقف في شرفة المنزل ويقيم الأذان والاقامة بصوت جهوري ومن هنا بدأ حرصه على حفظ القرآن الكريم وقد أتم حفظ «جزء عم» وعدد من سور القرآن الكبيرة. وتابعت: الأمر لم يتوقف على ذلك فبعد التحاق حامد عبدالحميد مدرس الموسيقى الجديد لمدرسة المكفوفين ازدهرت لدى محمد موهبته الموسيقية وبدا محمد مندمجا مع سماع الموسيقى وعزف المقطوعات الموسيقية العالمية والشرقية الصعبة وطلب مني أن أشتري له آلة «الجيتار» ليعزف ما يسمعه من الموسيقى. وأضافت الأم: شخصية محمد تطورت منذ تعلمه الموسيقى من الانطواء للاندماج وبات قادرا على التعامل مع الآخرين بشكل واسع دون تردد أو خوف. وتساءلت: أستعجب من جمع ابني لموهبتين أظن أنهما مختلفتان ومتناقضتان. فهو يمتعنا بصوته العذب في تلاوة القرآن بصوت حسن وفي نفس الوقت يطربنا بمقطوعاته الموسيقية ..فما هذا التضاد والتناقض الذي يجمعه ابني» وتابعت: «يشارك محمد في مسابقات مدرسية وتم الاستعانة به في عدد من الحفلات لتكريمه»