استكمالاً للحديث الذي بدأناه عن اجراءات المحاكمة في الجنح والمخالفات وما أوردناه من أن اجراءات المحاكمة وحتي نصل إلي حكم بات في الدعوي أسفر الواقع العملي انه يستغرق مدداً طويلة ما بين صدور حكم غيابي في غالب الأحيان من المحكمة الجزئية يكون من حق المتهم المحكوم عليه أن يعارض فيه علي نحو ما أوردناه من اجراءات معقدة للإعلان ثم صدور حكم يحق له وللنيابة العامة أن تطعن فيه بالاستئناف وتتبع أمام المحكمة الاستئنافية ذات الاجراءات التي تتبع بالنسبة للأحكام الصادرة في غيبة المتهم وبذلك تكون وفي غالب الأحوال أمام أربعة اجراءات للمحاكمة حتي نصل إلي حكم نهائي من محكمة الجنح المستأنفة وهي صدور حكم غيابي من المحكمة الجزئية ثم معارضة المحكوم عليه غيابياً ثم حق استئنافه للحكم الصادر من المحكمة الجزئية فإذا لم يحضر الجلسة المحددة للاستئناف صدر حكم المحكمة الاستئنافية غيابياً فيكون من حقه أن يطعن في هذا الحكم بطريق المعارضة الاستئنافية. وبصدور الحكم النهائي من محكمة الجنح المستأنفة يكون من حق النيابة العامة ومن حق المحكوم عليه الطعن بطريق النقض فإذا قبل الطعن بالنقض موضوعاً أحيلت إلي دائرة جنح مستأنفة أخري غير التي أصدرت الحكم. وتتبع أمامها ذات الاجراءات التي تتبع أمام محكمة الجنح المستأنفة في المحاكمات السابقة ومن ثم فإن محكمة الإعادة إذا لم يحضر المتهم أمامها فإنها تصدر حكماً غيابياً وهذا الحكم بدوره يكون من حق المحكوم عليه أن يطعن فيه بطريق المعارضة الاستئنافية. فإذا صدر الحكم من محكمة الجنح المستأنفة للمرة الثانية فإن من حق النيابة العامة والمتهم المحكوم عليه أن يطعن بالنقض للمرة الثانية وفي هذه الحالة إذا نقضت المحكمة الحكم تحدد جلسة لنظرها موضوعاً وبذلك نكون أمام أربع محاكمات أخري لذات القضية وهي نظرها للمرة الأولي أمام محكمة النقض ثم نظرها أمام محكمة الجنح المستأنفة للمرة الثانية ثم نظرها أمام محكمة النقض للمرة الثانية ثم نظرها أمام محكمة النقض لمحكمة موضوع للمرة الرابعة، وبذلك فإن اجراءات المحاكمة للقضية الواحدة تمر بتسع محاكمات. وكل ما سلف أفرز الواقع التطبيقي انه قد استغرق وقتاً بلغ في بعض القضايا خمسة عشر عاماً فأي عدالة تلك التي تأتي متأخرة علي هذا النحو. بل ان مبلغ الأسي والتأسي يبلغ منتهاه أمام ما هو مستقر عليه من أن الفصل في الدعوي المدنية (التعويضات عن الضرر الناجم عن الجريمة) يظل مرتبطاً ومرهوناً بالفصل في الدعوي الجنائية إذ يوقف الفصل في الدعوي المدنية إذا رفعت ابتداء أمام المحكمة المدنية أو أحالتها المحكمة المدنية المختصة أو ظلت مواكبة لها أمام المحكمة الجنائية- يظل الفصل في هذه الدعوي مرهوناً بالفصل في الدعوي الجنائية بحكم بات وهو ما يصدم العدالة وتتأذي منه أشد الإيذاء خاصة إذا كان المدعون بالحق المدني أطفالاً قد فقدوا عائلهم في حادث سيارة مثلاً وهم في أشد الحاجة وأمسها إلي التعويض المطلوب فلا يتسني لهم صرفه.. وفقاً لما سلف.. إلا بعد صدور حكم بات في الجنحة أساس الخطأ الموجب للتعويض. وهو من الأمثلة الواقعية التي يتواتر حدوثها يومياً أمام المحاكم، وكل ما سلف علي سبيل المثال لا الحصر يستوجب التدخل السريع والعاجل من المشرع لتحقيق العدالة الناجزة. وهو ما سنعرض له في الحديث القادم إن شاء الله. سكرتير عام حزب الوفد