كفل الدستور المستفتى عليه فى 2013 حقوق الطفل وألزم الدولة بتوفير الرعاية الصحية اللازمة للأطفال فور ولادتهم، كما جاء فى نص المادة 70 من الدستور.. ولكن الواقع يخالف مواد الدستور، حيث يلقى العديد من الأطفال حتفهم فور ولادتهم بسبب عجز حضانات المبتسرين فضلاً عن الإهمال الطبى فى بعض المستشفيات الحكومية، بالإضافة إلى ترك أسر الأطفال فريسة سهلة لأصحاب الحضانات الخاصة الذين يمتصون دماءهم ويسلبون أموالهم مستغلين حاجتهم الشديدة لهم ولهذا يفرضون رسوماً باهظة مقابل استضافة الأطفال فى تلك الحضانات، فيما يلى ترصد «الوفد» مآسى العديد من الأسر وتكشف حجم الكارثة والابتزاز المتعمد من قبل المستشفيات الخاصة التى لا تعدم وسيلة إرهاب أهالى الأطفال الذين وصل الحال بعضهم لبيع أثاث منازلهم لسداد قيمة أجر الحضانة وهو ما نكشفه فى التحقيق التالى. يبلغ عدد الحضانات بمستشفيات وزارة الصحة وفقاً لآخر تقرير رسمى صادر عن وزارة الصحة فى 2010 و3689 حضانة موزعة على المستشفيات الجامعية والطب العلاجى وهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية وأمانة المراكز الطبية المتخصصة والتأمين الصحى والمؤسسة العلاجية.. وتتسع الحضانة الواحدة 30 طفلاً سنوياً.. بإجمالى 111 ألفاً فى مختلف الحضانات الحكومية فى حين تبلغ نسبة المواليد السنوية 2 مليون و382 ألف مولود.. منهم 10٪ أى 238 ألفاً و200 طفل يحتاجون إلى حضانات فور ولادتهم.. وتكشف الإحصائية أن 127 ألف طفل ليس لهم مكان فى الحضانات الحكومية ويتعرضون للموت سنوياً بسبب النقص الشديد فى حضانات الأطفال المبتسرين. محمود سلامة والد الطفلة فاطمة إحدى ضحايا المستشفيات الخاصة يقول: ولدت ابنتى منذ 3 أيام بعيب خلقى فى الأنف.. وقرر الأطباء احتياجها إلى حضانة فتوجهت إلى أحد المستشفيات الخاصة بصفط اللبن ودفعت 5 آلاف جنيه رسوم حضانة وتبلغ رسوم اليوم الواحد 1200 جنيه مقسمة كالتالى: 500 جنيه أجر الحضانة و700 أدوية وجهاز تنفسى صناعى.. ومع استمرار انسداد الأنف والحاجة الملحة إلى تدخل جراحى قررت بيع جزء من أثاث المنزل حتى أستطيع علاج بنتى وبالفعل ترددت على أكثر من مستشفى حتى وصلت إلى المستشفى اليابانى لم أجد حضانة خالية.. سوى فى القسم الاقتصادى وطلبوا منى 4 آلاف جنيه كدفعة أولى و400 جنيه مقسمة 200 جنيه سعر اليوم و200 نفقات أدوية وتنفس صناعى. وأشار محمود ابنتى بين الحياة والموت ولم يعد لدى أموال أنفقها على علاجها.. فتوجهت إلى مستشفى المنيرة للأطفال رفضوا دخولها ويطالب محمود وزير الصحة الدكتور عادل عدوى بإصدار قانون يحمى المواطنين من تجارة المستشفيات الخاصة وتفعيل مواد الدستور التى وضعت لحماية الأطفال. يلتقط طرف الحديث محمد جلال الذى حضر من الإسكندرية بابنه محمود.. ولم يجد حضانة خالية فى المستشفيات الحكومية.. مؤكداً أن أهالى الأطفال يشعرون بالضياع والأسى حزناً على فلذات أكبادهم، فى حين رفعت المستشفيات الحكومية شعار كاملة العدد.. متسائلاً من يحاسب على الإهمال وموت الأطفال .. الصحة منعدمة فى مصر.. والأطباء لا يعرفون الرحمة.. والحكومة تركتهم يتاجرون بآلامنا.. ولم تضع أى ضوابط للمستشفيات الخاصة التى تحدد الأسعار وفقاً لأهواء أصحابها ودون رادع من وزارة الصحة. وأشارت ماجدة يوسف جدة أحد الأطفال المبتسرين إلى أنها تجلس أمام مستشفى المنيرة منذ ثلاثة أيام فى انتظار خلو مكان لحفيدها الذى يعانى من عدم نمو الكلى مما تسبب فى زيادة الإصابة. فى حين قال أحد الأطباء بمستشفى المنيرة الذى رفض ذكر اسمه إن ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال المبتسرين بسبب انعدام الرعاية الطبية.. ونقص طاقم التمريض الذى يقع عليه الدور الأكبر فى الرعاية.. مشيراً إلى أن الولادة القيصرية تسببت فى زيادة نسبة الأطفال المبتسرين. وأضاف الطبيب أن هناك عجزاً شديداً فى الحضانات بالمناطق النائية.. بالإضافة إلى وجود خلل فى التوزيع على مستوى الجمهورية. وأضاف الطبيب أن الإهمال الطبى أيضاً يتسبب فى وفاة الكثير من الأطفال المبتسرين وهذا يذكرنا بحادثة مستشفى الشاطبى الجامعى بالإسكندرية التى وقعت منذ سنوات عندما انفجر سخان الوحدة وقتل طفلين وأصاب 16 آخرين. يذكر أن الهيئة العربية للتصنيع كانت قامت بتصنيع حضانات المبتسرين فى عام 2008، إلا أن وزير الصحة الأسبق حاتم الجبلى، حال دون خروجه للنور، لخدمة مصالح مافيا ووكلاء الشركات الأجنبية التى تستورد هذه الأجهزة ولم يعرف أحد إلى الآن الأسباب الحقيقية وراء عمليات وقف التصنيع، والتى كان يمكنها أن تحل المشكلة بصورة قاطعة وتنهى هذا العجز؟ كما أن الهيئة قامت بعمل دراسة على الحضانات المنتشرة فى مستشفيات وزارة الصحة قبل البدء فى التصنيع فوجدت أن أغلبية الحضانات تصنع فى اليابان وألمانيا وأمريكا ويتراوح سعر الحضانة من 60 إلى 180 ألف جنيه.. أما الجهاز الذى صنعته الهيئة فلم يتجاوز 30 ألف جنيه. فيما تقول الدكتورة إيمان عيادة، أستاذ طب الأطفال، وحديثى الولادة بكلية الطب جامعة القاهرة ونائب مدير مستشفى أبوالريش اليابانى إن الأطفال حديثى الولادة يولدون بمشاكل كثيرة منها الذى يحتاج التدخل الجراحى كانسداد الأنف أو الأذن، وانسداد الأمعاء والقولون.. أيضاً مشاكل القصبة الهوائية مع المرىء كأن يولد الطفل بوصلات ما بين المرىء والقصبة الهوائية أو انسداد أو ضيق المرىء أو القصبة. وأضافت عيادة قد يولد الطفل بمشاكل خلقية فى القلب ويتطلب جراحات فى المخ أو العمود الفقرى.. وأيضاً المسالك البولية والكلى. مشيرة إلى أنه يوجد أيضاً أمراض باطنية يصاب بها حديثو الولادة وتصل نسبتها 30٪ من الحالات التى تدخل الحضانات، وهناك مصابون أيضاً بمشاكل فى الجهاز التنفسى ويحتاجون العلاج بجهاز التنفس الصناعى.. وأيضاً حالات تدخل بسبب عدم اكتمال نمو الرئة وهم المواليد أقل من 37 أسبوعاً، وهذا الطفل يتعرض لمشاكل كثيرة فى جسمه وقد تؤدى لنزيف بالمخ، ومشاكل فى العين والإصابة بالصفراء بأنواعها المرضية الفسيولوجية. وأشارت عيادة إلى أن 60٪ من الأطفال الطبيعيين يتم شفاؤهم فى المنزل دون الحاجة إلى حضانة. وأوضحت أن مستشفى أبوالريش للأطفال يعد المستشفى الوحيد على مستوى الجمهورية الذى يستقبل حالات الجراحة الخاصة بحديثى الولادة.. بالإضافة إلى مستشفى عين شمس الجامعى، وهذا تخصص نادر. وتابعت أن المستشفى يضم حالياً 21 حضانة منها 9 حضانات تقع فى الدور الرابع وخدمتها مجانية.. وهذه الحضانات تعمل بصفة مؤقتة لحين الانتهاء من تشطيبات الوحدة الرئيسية الواقعة فى الدور الأرضى، والتى تضم 41 حضانة.. يتم تجديدها وسيتم افتتاحها فى 15 فبراير المقبل، وتحتاج 2 مليون جنيه ما بين حضانات وأجهزة تنفس صناعى وأدوات طبية حتى يتم الافتتاح فى الموعد المحدد. وناشدت عيادة أهل الخير التبرع لاستكمال التجديدات، حيث إن الأسر تلجأ إلى المستشفى للبحث عن حضانة خالية ولا يجدون بسبب تزايد نسب المواليد المصابين، خاصة أن المستشفى يقدم خدمة مجانية ل9 حضانات وننتظر زيادتها إلى 50، مضيفة أن الحضانات تحتاج أيضاً إلى 20 ألف جنيه شهرياً كمستلزمات طبية ونفقات تمريض. وأشارت عيادة إلى أن المستشفى يضم 12 حضانة تخضع لأسعار المؤسسة العلاجية لسنة 2010 لمحدودى الدخل.. وبالمقارنة بالمستشفيات الخاصة تخفض أسعارها إلى النصف.. فالتأمين 4 آلاف جنيه وسعر الحضانة فى اليوم 300 جنيه وبالأدوية دون جهاز التنفس الصناعى، أما بالجهاز فتبلغ رسومه 400 جنيه، أما إقامة الحضانة دون أدوية 200 جنيه. وتابعت عيادة أن المستشفى يصرف أجوراً لطاقم التمريض والأطباء وهم أساتذة بجامعة القاهرة حوالى 300 جنيه فى اليوم مقارنة بالخارج، حيث تبلغ 700 جنيه، وأجر التمريض ال12 ساعة 120 جنيهاً، موضحة أن هناك عجزاً رهيباً فى طاقم التمريض ليس على مستوى المستشفى اليابانى فقط ولكن فى كافة المؤسسات الصحية فى مصر. وطالبت عيادة بإصدار تشريع قانونى يضمن توزيع جغرافى جيداً للحضانات على مستوى الجمهورية، لأن الأهالى يتوافدون من محافظات بعيدة ولو توافرت هذه الخدمة فى محافظاتهم لن يحضروا إلى القاهرة لأن الطفل قد يتعرض للوفاة فى الطريق، منتقدة قيام الأسر بوضع الطفل فى بطانية.. وقد يلقى حتفه نتيجة لذلك. وأضافت عيادة أن النظام العلاجى للحضانات يسير وفقاً للائحة عام 90.. وكنا طالبنا بتعديلها عام 2007 إلا أن وزارة الصحة رفضت التعديل مشيرة إلى أن التأمين الصحى مازال يحاسب المستشفيات على أساس 16 جنيهاً لليوم فى الحضانة، والمستشفيات لا تقبل التعامل مع التأمين، خاصة وأننا ننفق شهرياً على علاج الأطفال قيمة أجور أطباء وتمريض وأدوية.. ومازال التأمين الصحى لم يصرف مستحقات المستشفى عن عام 2012. وأوضحت أنه يجب تدريب الأطباء والتمريض على التعامل مع الأطفال المبتسرين وألا يترك المجال لأى شخص، مؤكدة أنه يجب حصول الطبيب على ماجستير ودكتوراه، كما طالبت بربط الحضانات على مستوى الجمهورية بشبكة واحدة وخريطة جغرافية جيدة. وتابعت عيادة أنه يجب أيضاً تعديل قانون إنشاء المستشفيات الخاصة والحضانات لأن هناك أشخاصاً يعتبرون الحضانة مشروعاً تجارياً، فنفقات اليوم تصل فى الحضانة الخاصة إلى ألف جنيه، وهناك أيضاً حضانات تحت السلم وغير مجهزة، كما طالبت بتوفير الرعاية الأولية والأشعة المقطعية والطوارئ. وأشارت إلى أن هناك حضانات بلا إشراف طبى سليم وقد تعرض حديثى الولادة للخطورة والمضاعفات.