ليس بوسعي مهما جاهدت وصف ما أحدثه في نفسي فيلم "المراكبي" لصلاح السعدني. أبكاني الرجل حتى أقرح عيني التي أعفاني ضعف بصرها من الخدمة العسكرية. ورغم شهرتي بأني أوتيت لسان ابن حزم في الكتابة سيما وأني أحب ابن حزم كثيرا إلا أن دمعي والله جد قريب حتى إني لأتمنى متابعة عمرو الليثي فيما كان يقدمه من دعم عظيم للعشوائيات والفقراء لكني كنت أخشى على عيني الجفاف والتقرح من كثرة البكاء. نفس الجملة التي قالها السعدني لناظر المدرسة "خدوا الواد الطيب علموه يا بيه ينوبكوا ثواب" هي نفس ما قاله أبي أسأل الله أن يمطر قبره بالرحمات. هؤلاء ملح الأرض فقراء مصر الشرفاء. كل كلمة في هذا الفيلم وكل لفتة وكل إيماءة وكل حركة يعلوها الصدق. الفيلم آسر ولا يدانيه في هذا سوى فيلم من نوع "خلف خطوط العدو" الذي كان يحكي مآسي البوسنة وما اقترفه الصرب في حقهم من مذابح. التصوير والحركة والحوار وتقسيم المشاهد كلها آسرة وصادقة، والأهم أن الصدق فيها لم يغفل جانب الجمال الفني أو يطغى عليه بوعظ ممجوج. حتى تيتانيك رائع في رقته وعنفه وحكاياته عن الطبقية، وقد جذبني فيه ما لم ألحظ جذبه لغيري وهو نيل الممثل الثاني (خصم ليوناردو ديكابريو في الفيلم وخطيب البطلة) أوسكار أحسن مشهد عندما شعر بأن ديكابريو قد حاز قلب البطلة فظل يجري وراءه ليقتله وقد أظهر جنونا وتوحشا غير عادي. كل هذا وأكثر عن قيمة الفن وما عسى يزرعه من قيم في النفوس. أمس شاهدت الكوميديان الكبير (هكذا كتبوا في المقدمة) محمود عزب يقلد د. أحمد نظيف في برنامج "حكومة شو" ولم يجد عزب ما يضحكنا به سوى أن بدأ المشهد بتقليد د. نظيف وعزب يضرط!! وليس أقل سخفا من عزب مذيعة صبايا التي تعظ الناس وتتبتل في حديثها عن الخير وثواب الله ومرضاته وصدرها كله مكشوف ولا تكف عن الحديث بغنج مخجل! وفي فيلم "أمريكا شيكا بيكا" كان المقصود بإلحاح غبي هو نُصح الشباب ألا يهاجروا إلى أمريكا، وتعرَّض أبطال الفيلم لمآس وأهوال مضحكة في كذبها لكنه أصر أن يظهر كل المصريين في الفيلم زُناة! الطبيبة هبة قطب لا تكف عن شرح العلاقة الحميمية فتوغل بقصد أو بدون إلى تأكيد النظرة الدونية للمرأة أنها مجموعة من الفتحات فيما تزيد تذكرة الفحص لديها وتكسب الملايين والأسخف أنها لا تكف عن الحديث في الدين بوجهها الحجري الجريء! أما عن لغة الأنف في السينما المصرية فكفيل بإظهارها لممثلين كبار يوتيوب وإلا تحول المقال إلى غير الغرض منه. الفترة القادمة تحتاج إلى إعادة صياغة للإعلام والأعمال الفنية وإلا فلا يلومن أحد أشقاءنا الجزائريين لما قالوا إننا بلد المليون راقصة فهذا ما صدَّرناه لهم بفننا الرقيع فلماذا نلومهم؟ والأهم هل أنتم منتهون؟! [email protected]