دعاية إعلامية وتليفزيونية واجبة وحضور طلابى مكثف.. هذان هما العاملان اللذان افتقدهما احتفال جامعة القاهرة بعيدها الثانى بعد المائة!. فرغم تاريخ جامعة القاهرة العريق وبدايتها كجامعة اهلية عملاقة وجسر للانتقال الى عصر النهضة بما مثلته من مصدر للحراك الثقافى والفكرى فى المنطقة بأسرها ورحم لتفريخ علماء وأدباء صاروا مصابيح تضئ العالم العربى. جاء الاحتفال دون اى تغطية تليفزيونية مناسبة تذكر كما خلت قاعات الندوات من حضور الطلبة فيما عدا الامسيات الفنية والتى تحوي موسيقى وغناء وهو مؤشر شديد الدلالة على افتقار الجامعة الآن لمثل هذه النشاطات التى تغذى الحس الفنى والجمالى لطلاب الجامعة. فعلى مدار يومين هما زمن الاحتفال بعيدها اقامت جامعة القاهرة العديد من الندوات الثقافية والعلمية والسياسية والامسيات الفنية بدأت يوم العشرين من الشهر الحالى بفقرة فنية موسيقية أقيمت بالمقهى الثقافى بكلية الآداب تلتها ندوة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تحت عنوان »الصناعة المصرية وبنك مصر والسينما وطلعت حرب«حيث حاضر بها كل من: أ.د. شريف سامى، أ.د. عبدالمنعم جميعي، أ.د. أحمد زيدان، أ.د. خالد عبدالجليل، د. رشاد كامل، أ.د. فتحى صالح، د. محمد القليوبى، د. دينا جلال. وأدارها أ.د. عادل رجب وكيل الكلية. واستعرض من خلالها الضيوف نشأة الاقتصاد المصرى والذى عرف مبدأ الاستقلال بإنشاء طلعت حرب لبنك مصر ومن ثم انطلاق الصناعة المصرية الحرة التى كان دعامها الأيدى المصرية وبرأس مال مصري خالص، وما تبع ذلك من انطلاق السينما المصرىة كاحدى الصناعات المهمة. ثم جاءت مشاركة كلية الاعلام بندوة الصحافة والاعلام فى مصر فى القرن الماضى والتى ناقشها كل من: أ.د. نجوى كامل، أ. لويس جريس، أ. أمين بسيونى، أ. محمد الشبة، د. عمرو أنور، أ.محمود صلاح. وأدارها أ.د محمود علم الدين وكىل الكلىة. واختتمت لقاءات اليوم الأول بندوة كلية الحقوق والتى جاءت بعنوان »تطور البرلمان المصرى فى خمسين عاما« وكان ضيوفها أ.د فتحى سرور رئيس مجلس الشعب، أ.د. عبدالأحد جمال الدىن استاذ حقوق عين شمس، أ.د. محمود كبيش عميد حقوق القاهرة. وخلالها استعرض د. سرور تاريخ البرلمان المصرى خلال الخمسين عاما الماضية متكلما عن بداية نشأته فى القرن التاسع عشر وتطور مسمياته من مجلس شورى القوانين مروراً بمجلس الأمة حتى مجلس الشعب. وبفتح باب الحوار أثير العديد من الاسئلة حول مدى شرعية مبدأ الكوتة وشرعية جمع الوزير بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وغيرها من الاسئلة. وانتهت فعاليات اليوم الأول بفقرة من التراث الموسيقى المصرى قدمها الفنان ايمان البحر درويش بقاعة الاحتفالات الكبرى. وكان لكلية الآداب السبق فى افتتاح فعاليات اليوم التالى بلقاء تناولت من خلاله الحديث عن ثلاثة مفكرين ممن درسوا فى رحابها وصاروا علامات على درب الادب والفكر العالمى فهم يعبرون عن روح مصر المتمثلة فى الوحدة والتنوع وقبول الآخر بما يمثلون من الامتزاج الثقافي العالمى. فكانت ندوة »طه حسين، سهير القلماوي، نجيب محفوظ وجامعة القاهرة « وحضرها أ.د. عبدالمنعم تليمة، أ.د. حسين نصار، أ.د. عبدالله التطاوي وأدارها أ.د. عصام حمزة وكيل الكلية. »التعليم كالماء والهواء« هكذا انطلقت دعوته لمجانية التعليم وبأن يصبح حقا لكل مصرى دون أن يقتصر على أناس بأعينهم، فتحققت دعوته تلك وتحول العديد من المدارس العلىا لكليات جامعية مثل المدرسة العليا للطب والزراعة. إنه طه حسىن عميد الادب العربى الذى وصفه د. عبدالمنعم تليمه فى حديثه عنه بأنه أبو الجامعات فهو أول من تخرج فى جامعة القاهرة عام 1914 حاملاً للدكتوراه وهو من وضع خطة جامعة محمد على وفاروق وجامعة الاسكندرىة الآن. حيث كان منهجه نقديا تقويميا وقد تجلى فى ضميره وعقله بيان النهضة المصرية وأخذ على عاتقه تحقيق تلك النهضة على أرض مصر بأن يكون التعليم حقا للجميع وأن تكون رفعته هي رسالته التى عاش من أجل تحقيقها. أما عن مواقفه فى خدمة العلم والتعليم فيتكلم عنها أ.د. حسين نصار مذكرا إيانا بموقفه من مجانية التعليم عندما كان وزىراً للمعارف وأصر على عدم تولى الوزارة إلا إذا ضمنت مجانية التعليم فى خطبة العرش وقد كان، ولم تقتصر دعوته على ذلك فحسب بل انه عمل على تطبيقها بشتى الطرق فقد أصدر قراراً بعقد مسابقة فى المرحلة التوجيهية يختار فيها الطالب مادة يخوض فىها ثلاثة امتحانات بمدرسته وآخر بالقاهرة وعند حصوله على 70٪ ىمكنه عندئذ الالتحاق بالجامعة مجاناً، ويستطرد د. نصار لافتا إلى انه كان أحد الذين تمتعوا بتلك المسابقة. لذا ولان طه حسين كان دائم العمل على تحقيق العدالة الاجتماعىة فقد أصر النحاس باشا على إلحاقه بوزارته ليكون وزيراً للمعارف رغم اعتراض الملك لكونه لا يحمل لقب باشا فطلب النحاس عندئذ من الملك ان يمنحه لقب الباشا ومن ثم يصبح جديرا بالوزارة. »هو استثناء بين العمالقة« بتلك العبارة بدأ د. عبدالله التطاوى حديثه عن طه حسين واصفا اياه بمصباح أشرق بنور فكره فى مرحلة الظلام. فهو بأفكاره كان سابقا لعصره فكانت له رؤية فى جودة التعليم دون أن تشكل لذلك لجان للجودة كما شغل بقضية الامتحانات وفكر فى إلغائها وما البديل لها كما شغل بقدرات الطلاب وكيفية اكتشافها ليصبح الطالب قادرا على المناقشة والبحث لا الحفظ والاستظهار. وقد قال عنه العقاد »انه رجل جرىء العقل مفطور على المناجزة والتحدى«. »هى التلميذة الاولى والرائدة« هكذا وصف د. تليمة الرائدة سهير القلماوى فهى أول امرأة تنال الدكتوراه فى الآداب من جامعة مصرية وأول امرأة تحصل على الجائزة الأولى من مجمع اللغة العربية وكانت ضمن أول دفعة فتيات يتخرجن بالقسم الأدبى وكانت أول رئيسة لقسم اللغة العربىة من 1958 حتى 1968 وأول امرأة ترأس هيئة الكتاب وأول من أقام معرضاً للكتاب. وهى تعد رائدة للادب المقارن فهى أول من بشر به وأول من نادى بتآزر الفنون وتداخل الأنواع الأدبية. وبرسالتها للدكتوراه عن ألف ليلة وليلة تعد رائدة فى الادب الشعبى، وعن نشاطها السياسى فقد كانت رائدة للحركة النسائىة المصرية ورئيسة لاتحاد النساء الجامعيات. أما عن سهير الإنسانة فقد تحدث د. حسين نصار مؤكدا أنها كانت تقدر العلاقات الانسانية وتساند طلابها فى أبحاثهم فقد اكتشفت معجم تيمور باشا الذى تناول فىه الالفاظ العامية وعندما طلب منها د. نصار وهو تلميذها نسخة منه لم تتردد فى اعطائه اياها. وعن الاستثناء فى شخصيتها العلمية تحدث د.عبدالله التطاوى خاصة فيما يتجلى فى النقد الادبى وصناعة الاساتذة حيث خرجت لنا جيلا يعد امتدادا لجيل الرواد. وعن نجيب محفوظ قال د. تليمة إنه فاجأ العالم بأدبياته التي شاركت في تأسيس الرواية العالمية باستلهامه للنصوص التاريخية والدينية ويري د. التطاوي أن محفوظ قد قفز برواياته على كافة المستويات الاجتماعية والوطنية والانسانية ليمثل بذلك استثناء استحق عنه جائزة نوبل. ولأن مصر تزخر بعلمائها مثلما تزخر بأدبائها ومفكريها فقد أقامت كلية العلوم ندوتها عن العالم المصرى على مصطفى مشرفة الذى كان أول عميد مصرى لكلية العلوم عام 1936 حاضر بها أ.د. عادل عطية مشرفة ابن اخيه ود. سلوى على مشرفة ابنته، ود. عطية عاشور وأدراتها د.عزة تميم. وتقديراً لعلمه قال النقراشي باشا »ليس من المهم السياسة أو الاقتصاد او الحرب ولكن أخطر شىء قدرة العلم على خلق قوة الذرة ومنها يؤدى لصنع القنبلة الذرىة«. على أن مشرفة لم ىكن عالما متفردا أبهر العالم بعبقريته فحسب بل كان انسانا متميزا بخلقه وتدينه فجمع فى مثال نادر بين العلم والتدين فقد تأثر بأبيه الذى كان بدوره متأثرا بأفكار محمد عبده والافغانى مما أكسبه فكرا مستنيرا معتدلا فكان له مريدوه الذين أطلقوا عليه صاحب المذهب الخامس. وعن طفولته يقول مشرفة »لقد كنت أفنى وأنا طفل لكى أكون فى المقدمة فخلت طفولتى من كل بهيج ولقد تعلمت فى تلك السن أن اللعب مضيعة للوقت فتعلمت الوقار والسكون فى سن اللهو والمرح« وتقول عنه ابنته د. سلوى انه كان ابا مثاليا يستطيع التواصل مع ابنائه فيحرص على تعليمهم أسماء النجوم والكواكب، وعنه زوجا تقول انه لم يكن ككثير من رجال عصره مستبداً برأيه بل كان الحوار أصيلا فى تعامله مع زوجته وقد تجلت نظرته للمرأة فى طريقة زواجه فهو لم يلجأ للخاطبة كعادة متبعة وقتها بل أصر على رؤية زوجته والحديث معها قبل الزواج ايمانا منه بدورها كشريك فى حياته فكان بعد الزواج يصحبها في كل أسفاره. وعن علاقته بطلابه فقد كان يحرص على استضافتهم ىوما شهريا بفيلته ليحتفى بهم ويوصى أهل بيته باكرامهم. وعن حسه الوطنى يذكرنا د. عطىة عاشور بموقف مشرفة عند قيام ثورة 19 والذى تزامن مع وجوده بانجلترا للدراسة فأرسل للنقراشي باشا يعرض عليه رغبته فى العودة لمصر والمشاركة فى الثورة إلا أن النقراشى باشا رد عليه قائلاً "نحن نحتاج إليك عالما أكثر مما نحتاج إليك ثائراً" إلا أنه لم يكتف بذلك بل عمل وهو بانجلترا على مساندة الثورة فأسس جمعية الحوار التى نددت بالاحتلال. واعترافاً بحسه الوطنى وتقديرا لمكانته العلمية يذكر أن سعد باشا زغلول وكان وقتها رئيس مجلس النواب قد سمع نائبا يطالب بمساواة مشرفة بالانجليز فى تعيينه أستاذا بالجامعة فتحمس سعد لذلك وسعى لحصوله على الدرجة وتم تعديل الدرجة العلمية ثم عين وكيلا ثم عميدا للكلية لأربع فترات. وعن إنجازاته وتنبؤاته العلمية يقول د. عادل مشرفة إنه أقام مشروعا متكاملا للأبحاث العلمية ونشر الثقافة العلمية باللغة العربية فقام بترجمة العديد من الكتب العلمية إلى اللغة العربية، كما أقام أول معرض علمى بمصر واستقدم العديد من الأجهزة الحديثة من إنجلترا وقام بشرح كيفية عملها للطلاب والجمهور. دخل فى خلاف مع الملك لرغبته فى استصدار قانون لإنشاء مركز قومى للبحوث التطبيقية وليس النظرية ولم ينفذ ذلك القرار إلا عام 1945. وقد كان سابقا لعصره بتنبؤاته العلمية فقد كان يرى أهمية مصادر الطاقة فى المستقبل وتنبأ بتوليد الطاقة الشمسية وبأن حروبا ستشن بين الدول على مصادر الطاقة، كما طالب مصر فى الثلاثينيات بصناعة القنبلة الذرية لتبنيه نظرية الردع. وأخيرا فقد توفى فى 15 يناير 1950 وقد أشيع أنه مات مسموما وقيل إن أحد مندوبي الملك فاروق وراء وفاته وقيل إن الموساد كان وراء ذلك. وقد نعاه اينشتاين قائلا: "لا أصدق أن مشرفه قد مات إنه لا يزال حيا من خلال أبحاثه" أما عن آخر لقاء اختتمت به ندوات اليوم الثانى فقد أقامته كلية الآداب بندوة "أحمد لطفى السىد" حاضر فيها د. مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية حيث تحدث عن أستاذ الجيل الذى شغل بقضية وطنه وفنى فى الدفاع عنه، حيث كانت حياته تمثل مرحلة مهمة من مراحل تاريخ مصر. ثم اختتمت فعاليات اليوم بحفل تكريم اساتذة الجامعة ومن حصلوا علي جوائز الولة التقديرية والتشجيعية تلاه سهرة موسيقية للفنان سليم سحاب.