يزعجني للغاية، ويؤلمني كثيراً، أن يخطئ أحدهم في معلومة، أو لا يعرف النطق الصحيح لأسماء الأشخاص والأماكن.. فهل العيب هو أن الشباب- معظمهم- لم يتعود علي الإمساك بالكتاب وقراءته! ان كان ذلك كذلك فما هو السبب في أن يخطئ أحدهم وهو تخطت سنه الخمسين، أو الستين.. هنا كأن عقرباً لدغني أو ثعباناً عضني.. فأنتفض غضباً وألماً.. ولا أسامح أبداً. وهذا ما حدث لي وأنا أتابع حلقة رائعة- للإعلامية شديدة النشاط والحيوية- الأستاذة لميس الحديدي، في برنامجها الشيق «هنا العاصمة». فقد أجادت الدكتورة لميس جابر ورغم انها طبيبة إلا انها باحثة مجتهدة في التاريخ، وبالذات تاريخ أسرة محمد علي باشا.. منذ قدمت لنا، وأمتعتنا، بمسلسلها عن الملك «فاروق» الذي صححت به العديد من الأخطاء والخطايا عن «فاروق» وعصره.. ثم وهي قد انتهت منذ سنوات من إعداد عمل فني رائع عن مؤسس الأسرة نفسه، محمد علي باشا.. والمناسبة: كانت عن مذبحة القلعة وكيف خطط لها الرجل- وأربعة فقط هم أخلص رجاله وقتها.. وسيكون لذلك مقال خاص ربما لأنني من المتخصصين في تاريخ الرجل العظيم وأسرته كلها. ولكنني أتحدث اليوم معلقاً علي جزء من هذه الحلقة، عندما جاء الحديث عن مسجد محمد علي.. بالقلعة.. ومن بين المتحدثين دكتورة، متخصصة في التاريخ الإسلامي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بل وأستاذة له في أشهر جامعة أجنبية في مصر.. ولن أذكر اسمها رغم انني أعرفه، فقد تكون ما ذكرته سقطة لسان.. ولكن عندما تذكر هذه المعلومة الخطأ مرتين.. هنا يجب المحاسبة والتصحيح. ففي حديث الإعلامية لميس الحديدي- وهي داخل مسجد محمد علي بالقلعة- جاء الكلام عن المنبر الرخامي شديد الروعة، خصوصاً أن بجواره منبراً آخر خشبياً، فقالت أستاذة التاريخ الإسلامي هذه ان هذا المنبر قدمه الملك «فؤاد» للمسجد وهذا هو الخطأ.. فإذا كان الملك فؤاد بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي هو الذي جدد عمارة المسجد وهدم القبة الرئيسية وما حولها من قباب بسبب ما أصابها كلها من تلف- وبدأ ذلك عام 1935- قبل أن يموت بعام واحد.. فإن الملك «فاروق» هو الذي تم في عهده إتمام هذه الإصلاحات والترميمات وأعاد افتتاحه للصلاة يوم الجمعة 5 من المحرم عام 1358ه- 24 فبراير 1939. ونعود إلي المنبر- موضوع الخطأ الذي وقعت فيه أستاذة التاريخ الإسلامي بالجامعة الأمريكية.. فنجد ان الملك «فاروق» رأي ان المنبر القديم الخشبي يبعد عن المحراب، فأمر بعمل منبر رخامي يتفق ورونق المسجد فتم صنعه من رخام الألبستر المطعم بالرخام الأحمر وكتب علي جانبيه اسم جلالة الملك، وله باب نحاسي مفرغ بزخارف متقنة ومكتوب أعلاه «أمر بعمل هذا المنبر المبارك حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك الصالح (فاروق) الأول في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وألف من الهجرة» كما أمر بسد الشبابيك الموجودة في بارزة المحراب برخام الألبستر علي أن تكون متمشية مع باقي الكسوة الرخامية حولها! فهل أستاذة التاريخ لم تقرأ هذا الكلام المسجل علي جانبي المنبر الذي نسبته للملك «فؤاد»- وذكرت ذلك مرتين- رغم انه من أعمال ابنه الملك «فاروق».. هل لم تقرأ ذلك- قبل أن تتصدي للكلام عن المنبر وعن المسجد.. وبالمناسبة الملك «فاروق» هو الذي أمر بتجديد وترميم برج الساعة المهداة من لويس فيليب ملك فرنسا لمحمد علي عام 1845 وهو البرج الذي نحاول الآن ترميمه وإعادة تشغيل الساعة التاريخية عليه. ولقد لدغتني كلمات أستاذة التاريخ لأنني أعرف الحقيقة كلها.. ورغم ذلك أسرعت لما تحت يديَّ من كتب ومراجع، ولم يكن عندي أفضل من كتاب «تاريخ المساجد الأثرية» ل«العلامة الكبير حسن عبدالوهاب» «430 صفحة» وهو أدق من كتب في هذا المجال والكتاب صدر عام 1948 ثم أعيد طبعه كثيراً آخرها عام 1994 للهيئة المصرية العامة للكتاب. وتأكدت كذلك من صحة معلوماتي عندما عدت أمس إلي الموسوعة التاريخية عن «مساجد مصر» للدكتورة العلامة سعاد ماهر وتضم 5 أجزاء من الحجم الكبير والصادرة عن المجلس الأعلي للشئون الإسلامية. وفي الجزء الخامس، علي وجه التحديد. وكم أتمني أن تصحح الإعلامية الرقيقة والدقيقة هذه المعلومة.. لأن التليفزيون أصبح وحده للأسف هو مصدر المعلومات للناس.. هل تفعلها الإعلامية لميس الحديدي؟ أتمني ذلك، وغفر الله لأستاذة التاريخ التي لن أذكر اسمها!