مازال الحديث مستمراً عن الأحكام التي تصدرها محكمة الجنايات علي المتهم الغائب في جناية وما أفرزه التطبيق الواقعي والعملي من مشاكل يتأذي منها ضمير العدالة أشد الإيذاء لما أسفر عنه واقع التطبيق العملي من مواقف شاذة لمجافاتها لمبادئ العدالة التي تقتضي دستورياً وقانونياً المساواة بين المتهمين الذين تتساوي مراكزهم القانونية بل إن التطبيق العملي أفرز واقعاً مريراً يجافي روح المحاكمات الجنائية فيما تتطلبه من أن نكون أمام محاكمات عادلة ومنصفة وناجزة إذ أفرز التطبيق العملي والواقعي أن أعمال النصوص الخاصة بالمحاكمات الجنائية وما أوجبته من إجراءات للمحاكمة عند عدم حضور المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات من إعادة إجراءات المحاكمة بالنسبة لهذا المتهم الغائب من تعطيل لسير العدالة وعرقلة للفصل في القضايا وتبديد واستنفاد لجهود القضاة. وحتي نبسط الأمر علي نحو واقعي نضرب مثالاً واقعياً فيما إذا كانت القضية تتضمن عشرين متهماً حضر منهم متهم واحد وصدر الحكم عليه بالإدانة حضورياً وبالإدانة علي الباقين غيابياً فإن الإجراءات التي تتبع قانوناً وفقاً للنصوص الحاكمة هو أن المتهم المقضي بعقوبته حضورياً يكون له الحق وكذلك للنيابة العامة هذا الحق في الطعن علي الحكم خلال ستين يوماً فإذا قبل الطعن بالنقض تعاد محاكمته مرة أخري أمام دائرة غير التي أصدرت الحكم فإذا أصدرت حكماً لا يرتضيه كان له الحق وكذا للنيابة العامة الحق بالطعن بالنقض للمرة الثانية وفي هذه الحالة إذا قبلت محكمة النقض الطعن شكلاً وموضوعاً حددت جلسة أمامها لنظره موضوعاً. أما بالنسبة للأحكام الغيابية التي صدرت علي ال19 متهماً الآخرين فإن لكل منهم إذا قبض عليه أو سلم نفسه تنفيذاً للحكم الغيابي أن تعاد محاكمته ويتبع معه ذات الإجراءات ويكون له ذات الحق في الطعن بالنقض علي النحو الذي أسلفناه بالنسبة للمتهم الحاضر ويكون لكل متهم علي حدة أن يتبع ذات الإجراءات. وبعملية حسابية بسيطة نكون أمام أربعين قضية جنائية تولدت وتفرعت من القضية الأصلية أي أن القضية الواحدة تنظرها أربعون دائرة جنايات وكذا يطعن فيها أمام محكمة النقض بأربعين حكماً. ووجه المأساة مع هذا الاستنفاد للوقت والجهد لمحاكم الموضوع والنقض في قضية واحدة أن الأحكام التي تصدر في ذات القضية في كثير من الأحيان يشوبها التضارب والتناقض وقد يقبل بعضها في النقض ويرفض البعض الآخر وبذلك نكون أمام أحكام في قضية واحدة وعن واقعة واحدة وقد تضاربت الأحكام وتعارضت وقضي علي بعض المتهمين بالبراءة سواء من محكمة الموضوع أو من محكمة النقض والبعض الآخر قضي بإدانته بأحكام متفاوتة. وكل ما سلف وغيره من الحالات التي أفرزها الواقع العملي مازالت تتفاقم ويتزايد واقعها المؤلم والصادم للعدالة. ووجه الأسي والأسف والتأسي أن المشرع مازال جامداً صامتاً واقفاً موقف المتفرج علي منظومة ظالمة اهتزت معها صورة العدالة في ضمير وفي نفس وأمام عيون المواطن. وللحديث بقية إن شاء الله. سكرتير عام حزب الوفد