احتفل حزب «الوفد» يوم الخميس الماضي بذكري عيد الجهاد - وأنا علي يقين - بعد عبث ثورة يوليو بكتب التاريخ - علي يقين أن أكثر من 99٫9٪ بتاعت عبدالناصر لا يعلمون شيئا عن (عيد الجهاد). بداية.. اسمه (عيد الجهاد الوطني) وهو اليوم الذي ذهب فيه سعد زغلول يرافقه عبدالعزيز فهمي وعلي شعراوي إلي دار المندوب السامي البريطاني (السفارة البريطانية الآن) لطلب إذن بالسفر إلي باريس لحضور مؤتمر الصلح بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي.. كان ذلك 13 نوفمبر 1918.. كان السفر إلي الخارج ممنوعا إلا بإذن من دار المندوب السامي البريطاني.. كما فعل عبدالناصر فيما بعد!!!! قابلهم المندوب السامي وكان اسمه (وينجيد) بتعال وكبرياء وعدم احترام.. وقال لهم: لماذا تريدون حضور المؤتمر؟؟؟.. قال سعد: ممثلين عن شعب مصر.. فقال «وينجيد»: أنتم لا تمثلون سوي أنفسكم وهو القول المشهور الذي انطلق بعده الشعب يجمع التوكيلات (للوفد المصري) توكيلات لهذا (الوفد) الذي ذهب إلي السفارة!!! ومن هنا جاءت كلمة (الوفد).. ومن هنا أيضا كان مصطفي النحاس متمسكا بأن الوفد ليس حزبا بل (وكيل الأمة) وهو (زعيم الأمة).. .. وتطورت الأمور بعد ذلك.. وتم نفي سعد زغلول في مارس 1919 وقامت ثورة 19.. وعاد سعد زغلول وظل يحتفل بيوم 13 نوفمبر حتي وفاته وكان يسميه بأنه (أول مواجهة جريئة شخصية من أجل مصر).. بل أطلق علي هذا اليوم اسم (العيد القومي المصري).. آخر احتفالية كانت يوم 13 نوفمبر 1926 وهو يعاني المرض ولا يستطيع أن يمشي إلا بمساعدة شخصين!!! وما ان دخل السرادق الذي قدّر جمهوره فكري أباظة بستين ألف مواطن.. رقم مخيف في بلد لا يزيد تعداده علي عشرة ملايين وربما أقل.. ظل الجمهور يصفق بشدة ويبكي لمدة سبع دقائق علي حساب ساعة يد الصحفي الناشئ فكري أباظة!!!... لم يستطع سعد أن يخطب طبعا وترك الخطابة لمصطفي النحاس ثم مكرم عبيد.. ثم أصرت الجماهير علي سماع سعد زغلول.. ولما صعد سعد علي المنصة وصفها توفيق الحكيم (بعودة الروح) وكأنه صحيح معافي تماما.. هنا ألف مأمون الشناوي من غناء وتلحين محمد عبدالوهاب.. نشيد بلادي (كل مصري ينادي أنا ملك بلادي). وتمر سنوات طويلة.. ويلغي مصطفي النحاس معاهدة 36.. ويبدأ الجهاد ضد الإنجليز.. ويقرر العمال المصريون الذين يعملون في معسكرات الجيش الإنجليزي ترك العمل ويطلق الإنجليز عليهم الرصاص ويموت كثيرون.. ويبكي النحاس كثيرا.. ويقوم بتعويضهم من أموال الإنجليز في بنك باركلز.. ويأتي يوم 13 نوفمبر 1951.. لتقوم أول وآخر مظاهرة في تاريخ العالم كله يسير في مقدمتها رئيس الوزراء وكل الوزراء وعدد كبير من أعضاء البرلمان.. سماها النحاس باشا (الجنازة الصامتة) من ميدان الإسماعيلية (التحرير الآن) إلي جامع الكخيا.. حاول المندوب السامي البريطاني بكل الطرق منع هذه المظاهرة دون جدوي.. لجأ إلي الملك فاروق الذي قال للمندوب السامي: مستحيل منع مظاهرة دعا لها مصطفي النحاس بنفسه. ولما وصل مصطفي النحاس إلي الميدان كادت الجماهير تطلق حناجرها بعنف فإذا بالنحاس يرفع ذراعيه مناديا (صامتة صامتة صامتة) وسكت الجميع وكتب يومها أحمد أبوالفتح في جريدة (المصري) مقالا تحت عنوان (حرام عليك).. خاصة عندما اخترقت سيارة فخمة الميدان لتقف أمام الصف الأول ينزل منها علي باشا ماهر فاردا ذراعيه ليهرول إليه النحاس باشا وعناق حار والجماهير تريد ان تهتف والنحاس باشا يردد (صامتة صامتة). كان ينظم الجنازة الصامتة حسن يس أشهر سكرتيري النحاس.. وجد حسن يس أن الميدان امتلأ عن آخره والجماهير تملأ أيضا شارع سليمان باشا حتي بعد ميدان طلعت حرب.. أصبح لابد من تغيير خط السير فبدأ من شارع محمد بسيوني ليصل إلي ميدان طلعت حرب ثم قصر النيل إلي جامع الكخيا.. وتبدأ جنازة الغائب والإمام مصطفي النحاس الذي لم يتمالك نفسه وهو يصلي بصوت عال.. والجماهير الغفيرة تملأ الشوارع حول المسجد وإمام المسجد يقول بالميكروفون للناس: اخلع حذاءك وصل معنا وأنت واقف.. لا يوجد ركوع ولا سجود في صلاة الغائب و... والناس تستجيب في الشارع وفي المحلات وفي البلكونات بل أمام الراديو في المنازل.. وياريت ياريت ياريت نعيد هذه الصلاة لأرواح شهدائنا هذه الأيام. يوم لا ينسي عبر التاريخ. هؤلاء هم آباء وجدود من خرجوا يومي 25 يناير و30 يونية .. في موقع جوجل عبارة تقول إن 7 دقائق تصفيقاً حاداً متواصلاً لسعد زغلول لم تحدث قط بعد ذلك ولا أقل منها لأي ملك أو رئيس أو زعيم حتي هذه اللحظة: هذه هي مصر.. يا من يريدون الشر بمصر.. حمي الله مصر.