«فرق تسد».. كان هذا هو شعار الإنجليز خلال احتلالهم لمصر أكثر من سبعين عاماً.. - ما معنى هذا الشعار؟ - معناه «تفتيت» الكتل السياسية الكبرى وتحويلها إلي أحزاب وجماعات لينافس بعضها البعض علي الحكم والسيطرة الشعبية بعيداً عن مصالح البلاد العليا.. وهذا ما فعلته إنجلترا بذكائها الاستعمارى المشهور.. مصر كانت يداً واحدة تطالب بالاستقلال وأرسلت توكيلات وتفويضات لسعد زغلول من كل أفراد الشعب المصرى.. فنسفته إنجلترا.. فقامت ثورة 19، هنا شعرت إنجلترا بأن «تفتيت» الوفد المصرى الذي كان يرفض أن يسمي نفسه «حزباً».. كان سعد زغلول ومن ورائه مصطفى النحاس يقولان نحن «شعب مصر» لا حزب فئة معينة!! رأى الإنجليز أن «تفتيت» هذا الشعب هو أول خطوة للاستقرار بمصر.. وقد كان. أول من خرج من الوفد المصرى أخطر اثنين في ذلك الوقت.. أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى.. وهما عماد «المقاومة السرية».. قتلا عددا لا حصر له من ضباط وجنود الإنجليز.. والغريب أنهما ماتا مقتولين أيضاً.. وقيل يومها المثل الدراج (من قتل يقتل ولو بعد حين)!!.. لذا بالدس والوقيعة بينهما وبين مصطفي النحاس أصبحا يكرهان النحاس المقرب كثيراً لسعد زغلول الذي أطلق عليه كلمة مشهورة هي (النحاس سيد الناس).. كان سعد زغلول يرتاح كثيراً لمصطفى النحاس بلا سبب واضح.. كان مجرد شعور لدي الباشا الكبير معبود الجماهير أن هذا (القاضى) كان النحاس قاضياً أيامها -هذا القاضى هو خليفته في الزعامة.. وقالها سعد زغلول للكثيرين. وكانت صفية زغلول من محبي ماهر والنقراشى من كثرة أعمالهما الفدائية اليومية التي زعزعت عرش المندوب السامي البريطانى.. وكانت تكره مصطفي النحاس الذي أصبح أقرب شخص لزوجها!! ومن هنا ممكن أنت تفسر الكراهية الأكبر لمصطفى النحاس التي كان يكنها مصطفي أمين الذي تربى في منزل سعد زغلول.. وفي بداية صدور (أخبار اليوم) كانت مقالات الصفحة الأولى كلها ضد النحاس الذي أقسم يوماً مصطفى أمين أنه سيحطمه!!.. ما علينا.. هذه قصة أخرى ربما أكتبها يوماً ما. المهم أن الإنجليز كانوا وراء إنشاء حزب السعديين برئاسة أحمد ماهر ونائبه النقراشى وظهرت كلمة «الأحزاب» بعد وفاة سعد زغلول وانفصال ماهر والنقراشى عن الوفد الذي رأسه مصطفي النحاس.. في نفس الوقت أنشأ محمد حسين هيكل باشا حزب الأحرار الدستوريين من أساتذة الجامعات والمفكرين الذين كانوا الأغلبية في لجنة دستور 1923 الذي هاجمه سعد زغلول لأنه أعطى الملك حق إقالة أى وزارة.. وحافظ رمضان باشا أنشأ الحزب الوطنى وأحمد حسين حول جماعة القمصان الزرق إلي الحزب الاشتراكى. - هل رأيت كيف تم تفتيت الوفد؟ - أكثر من هذا في أيام فاروق الأخيرة عن طريق أحمد حسين باشا (السياسي السوسة)!! استطاع أن يسلب أحمد نجيب الهلالى باشا من الوفد ومن بعده الضربة الكبرى مكرم عبيد باشا.. من كان يصدق أن مكرم يترك الوفد!! ولكن (السوسة) حسنين باشا أقنعه بأنه (رئيس الوزراء القادم) وهو حلم أي زعيم غير مسلم وكان شرط حسنين أن يحاول مكرم تشويه صورة النحاس لدي الشعب باعتبار أن مكرم كان أقرب شخص للنحاس ويعرف كل أسراره لذا أصدر مكرم (الكتاب الأسود)!!
هذه هي سياسة (فرّق تسد)!! التي اتبعها الإنجليز عن طريق الملك تارة وعن طريق المال تارة أخرى أو شراء بعض السياسيين. نفس الشىء الآن يدبر لنا في الخفاء تشترك فيه قوي خارجية كبرى.. أكبر من إنجلترا بكثير.. محور أمريكا وإسرائيل وأوروبا وتركيا وقطر.. وهناك اجتماعات دورية لما يسمى التنظيم الدولي السري للإخوان في تركيا بالذات.. وهكذا بدأ الصراع الخفى بين ثوار يناير وثوار يونية.. وهناك اتصالات مع حركات كنا لا نشك قط في أيديولوجيتها مثل 6 أبريل مثلاً. نحن أمام عدو يملك كل شيء، أعداء من الخارج والداخل.. ونحن لا نملك سوي حبنا لهذا الوطن واستعدادنا للموت من أجله.. فهل سننتصر بإذن الله تعالى.. أكيد سننتصر إن شاء الله إذا ما أصبحنا يداً واحدة كما كنا يومى 25 يناير و30 يونية.