أكاد أجزم، بل أقسم، إن كثيرًا من شوارع وحوارى مدينة دمياط لم تر عامل نظافة منذ عشرات السنين، وبالذات شوارع القنطرة والمتبولى وحتى سوق الحسبة شرقًا وإلي شارع أبوالوفا شمالاً.. وإلى شارع الحزاوى وحارة النفيس بجامعها الأثرى التاريخى.. أى كل قلب حى الشهابية المعروف.. وكذلك حارة البركة وحى الجمرك.. مرورًا بأشهر شارع للموبيليا فى مصر كلها، هو شارع عبدالرحمن. ومن شارع فكرى زاهر «من بدايته عند سوق السمك إلى دوار قصير الديل وبه أكبر كنيسة للارثوذكس فى دمياط وبجوارها مسجد الشيخ أطعن، وهذه منطقة والدى لجدى القنطرة فعلاً لم أجد أثرًا لكناس واحد مر من هنا منذ عشرات السنين، وقد ذهبت إلى هذه المنطقة استعيد ذكريات طفولتى وصباى، وكانت كل شوارعها مرصوفة إما بحجر البازلت كبير الحجم التي تعيش مئات السنين، أو بالحجر صغير الحجم، من نفس البازلت.. وهذه وتلك الاحجار مرصوفة ببراعة يعجز عنها أى «مبلط» بلاط الآن.. أو من يلصق القيشانى والسيراميك. ورأيت العجب.. هذه الشوارع والحوارى كان يمر عليها مرتين كل يوم ملاحظ البلدية إما على «حماره» وإما بعد ذلك على دراجته ببدلته الميرى والبرنيطة الشهيرة، وتحتها المنديل يلاحظ مدى التزام عمال النظافة فى كنس الشارع أو الحارة مرتين يوميًا.. نعم كان يكنس مرتين والله العظيم. وياويل أى واحدة تلقى ريش بطة من الشباك أو «تدلق» مياه غسيل البطة لتعلم جيرانها أنها تعد لأولادها بطة بالقلقاس محشوة «بالمرتة» وهى عبارة عن بصل بالكمون والفلفل والحبهان!! إذيكون نصيبها فى الحال محضر مخالفة بقيمة جنيه كامل.. يعنى أكثر من ثمن البطة، فإذا تكررت جريمتها هذه تم سحبها وزوجها إلي المحكمة.. الآن كل ذلك اختفى.. ووقفت ابحث عن بقايا هذه الأحجار البازلتية فلم أجد شيئًا.. كانت كلها مدفونة نعم مدفونة بالكامل تحت تلال القمامة والتراب وما لا تتخيله!! ووقفت أمام بيتنا القديم فى شارع البوسطى، وكان اسمه القديم.. شارع كليوباترا.. ولم أر شيئًا كانت الدموع التي انسابت تنهمر وأنا أرى كل هذا الاهمال والقذارة وبحثت عن أحجار البازلت الكبيرة التي كنا نلعب فوقها «نطة الانجليز» أو نلعب «الأومنة» أو نسهر عليها طوال الليل فى شهر رمضان.. ولم أجد «بلاطة» واحدة.. والسبب ما تراكم عليها من قاذورات!! وكذلك، كانت حالة كل شوارع المنطقة وكل شوارع حارة القنطرة!! أقول ذلك وقد تربيت فى دمياط علي الكناسين ينظفون كل شىء وكانت هناك مكانس دوارة تجرها بغال البلدية وخلفها عمال النظافة يجمعون ما يتجمع عند الأرصفة.. ثم تأتى «عربة الرش» وهذه تجرها أيضًا البغال.. لتغسل الشارع.. بالمياه.. ثم تجففها لتتحول الشوارع، ليس لكى تفرش وتنام.. ولكن لتنام دون حاجة إلى فراش!! وأقسم، كان ذلك يحدث فى شوارع دمياط فى أربعينيات القرن الماضى أى كانت الشوارع تغسل وترش بالمياه حتى لا يتطاير التراب إن وجد أصلا تراب فى هذه الشوارع بعد ذلك.. كان ذلك يحدث فى دمياط.. ورأيته بأشكال أخرى فى القاهرة.. وفى الإسكندرية، بعد ذلك.. ولكن هذا كان يحدث عندما كانت هناك «بلديات» فى بر مصر!! وعندما كنا ننعم بمجالس بلدية.. والله يرحم عائلة بكرى بدمياط منذ عميدها الأول نعمان بكرى الكبير الذى كان مندوبًا ونائبًا عن دمياط فى الجمعية العمومية عام 1885 ثم حسين بك بكرى إلي الأبناء والأحفاد أحمد بك بكرى، إلى نعمان بكرى الحفيد.. وهى عائلة كانت تحتضن بلدية دمياط ومجلسها البلدى.. وكان معهم عبدالحليم نعمان أبوسمرة ومحمد حسن شرارة والفونس نقولا والغالى. ولكن كل ذلك اندثر وانتهى منذ ابتلينا بما يطلق عليه الحكم المحلى والمجالس المحلية.. ومجالس المدن والقرى التى يسعى إليها طلاب الغنائم. وأقول هنا: أليست المرتبات التي «يلهفها» كل واحد الآن فى هذه المجالس.. أليست حرامًا.. بعد أن تحولت إلي مجالس للسلب والنهب والمزايا. هنا أقول لمحافظ دمياط اللواء محمد عبداللطيف منصور: دمياط ليست فقط هى الكورنيش وشارع فكرى زاهر والجلاء.. رغم سوء حالتيهما.. ولكنها قبل كل ذلك هى شوارع وحوارى دمياط القديمة.. التي هى قلب أقدم مدينة مصرية، هى دمياط.. والله حرام!!