هناك أكذوبة كبرى... ولا يريد أحد أن يعرف الحقيقة.. يقولون يكفى عبدالناصر انه جعل التعليم مجاناً... فالتحق أبناء الفقراء بالمدارس وانخفضت نسبة الجهل والأمية فى الشعب المصرى. إنها أكذوبة كبرى... فليس عبدالناصر أولاً هو صاحب قرار المجانية... فقد تم اتخاذه قبل ثورة يوليو بعام كامل... حينما وقف طه حسين باشا وزير المعارف العمومية فى البهو الكبير بجامعة الإسكندرية يوم افتتاحها فى حضور الملك فاروق ليخطب فى الحاضرين ويفاجئ الجميع بأن مصر تحتفل اليوم بمناسبتين... جامعة جديدة لأشهر ميناء عروس البحر الأبيض المتوسط.. وإعلان أن التعليم فى مصر حق للجميع فهو كالماء والهواء منحة من الله لكل الناس بلا تفريق. وكانت مفاجأة مذهلة لكل الحاضرين عدا أعضاء مجلس الوزراء الذين اجتمعوا فى مقر الوزارة الصيفى فى بولكلى لإقرار المشروع... كانت مفاجأة حتى للملك نفسه. وارتبطت مجانية التعليم بتشبيهه بالماء والهواء كما قالها عميد الأدب العربى طه حسين... ،لكن الثورة جاءت بعد أقل من عام بعد تطبيق القانون الجديد فظن الجميع حتى اليوم أن الثورة هى صاحبة فكرة مجانية التعليم.. والحقيقة أنها صاحبة «ضياع مجانية التعليم».. كيف؟... أقول لك.. كيف؟. أرادت الثورة أن تتقرب الى الناس فى بداية عهدها... فأضاعت ما كان يرمى إليه طه حسين.. كان هناك قانون أو لائحة لا أدرى كانت تنص على أن أى مولود يتعدى سن الخامسة من عمره ولا يلتحق بالمدرسة الإلزامية يتم تقديم والده أو ولى أمره الى المحاكم.. وربما يتم حبسه!!.. كان طه حسين يريد فى المقام الأول أن يتعلم كل مولود القراءة والكتابة ويحفظ جزء «عم» من القرآن الكريم.. وتقرر بناء سلسلة من المدارس الإلزامية فى بحرى والصعيد حتى لا يكون لأحد عذر فى عدم تعليم أبنائه. طبعاً.. الثورة لم تنفذ قرار بناء مدرسة إلزامية فى كل القرى.. وهى أساساً كانت موجودة فى القاهرة والمدن الكبيرة... وبذلك تم وأد وقتل أول خطوة فى مشروع طه حسين الذى كان لا يتصور وجود مصرى أو مصرية لا يعرف القراءة والكتابة!!!. ماذا كانت النتيجة؟!! زادت.. نسبة الأمية خاصة فى الثلاثين سنة العجاف التى أهملت كل شىء!!! ولا أدرى كيف لا تتم محاكمة المسئولين عن أسوأ فترة مرت بمصر بدلاً من التهم العادية التى يحاكمون عليها الآن!!!!. ليت الأمر وقف عند هذا الحد.... الخطوة الثانية... فى وأد وقتل مشروع طه حسين هى المرحلة الابتدائية.... كانت مجانية التعليم الكاملة حتى مجانية الكتب والوجبة الغذائية كانت للجميع... كل من تعلم القراءة والكتابة وحفظ جزء «عم» يدخل المدرسة الابتدائية مجاناً تماماً... ولكن...ولكن بشرط أن يحصل على كذا فى المائة فى امتحان الشهادة الابتدائية... من لم يحصل على هذه النسبة يلتحق أيضاً بالمرحلة الثانوية.... لم يكن هناك نظام الإعدادى... ولكن يدفع المصاريف... وكانت يومها مصاريف متواضعة... ثمانية جنيهات فى السنة..... والمتفوقون يدخلون المرحلة الثانوية بلا مصاريف... كذلك الجامعة لا يلتحق بها إلا من يحصل على نسبة نجاح معينة فى امتحان التوجيهية «المسماة الثانوية العامة الآن»... وكانت المرحلة الثانوية خمس سنوات...وهؤلاء هم الذين يتوجهون الى التعليم الفنى المتوسط الذى تم وأده هو الآخر وأصبح السمكرى أو الكهربائى أو أى صنايعى له «فيزيتا» مثل الطبيب بل أغلى منه... لا يدخل الجامعة إلا من كان مؤهلاً للتعليم العالى بالفعل.... و..... و.... ويدفع المصاريف... لا مجانية فى الجامعة إلا لأوائل التوجيهية وتستمر المجانية طوال تفوقهم فى الدراسة.... هؤلاء فقط. جاء جمال عبدالناصر فى خطاب مشهور فى الاسكندرية فى ذكرى خروج الملك «26 يوليو» وأعلن أن أبواب الجامعات مفتوحة بالمجان لكل الحاصلين على التوجيهية بلا استثناء!!! وجميعاً بالمجان!!!... وكانت الكارثة التعليمية أيضاً التى نراها الآن. اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله... انتشرت أمية القراءة والكتابة بإلغاء التعليم الإلزامى... وانتشرت أمية العلم نفسه بمجانية الجامعات التى أرهقت الميزانية وهذا حديث آخر.