ما يحدث في سيناء منذ أكثر من عام، من أعمال إرهابية وتخريبية، تجعلنا نعيد التفكير بشكل معمق، في محاولة لفهم ما يجري على هذه الأرض الزكية، التي رُويت بدماء أبناء مصر على مدى عقود. سيناء، لم تعد، كما كنا نتوقع لها، فبعد تحريرها واسترداد آخر شبر منها في العام 1982 من "إسرائيل"، غابت الإرادة السياسية، لتعميرها وبسط كامل نفوذها على ترابها، ما جعل الأمر يتطلب "تحريرًا ثانيًا" من براثن الإرهاب. إن الأحداث الدامية التي وقعت أخيرًا في سيناء، أدمت القلوب، بعد أن أصبحت مرتعًا خصبًا لخفافيش الظلام، الذين لا يعرفون دينًا أو شرفًا، وهدفًا متتاليًا لأعمال القتل المروع، وبيئة حاضنة للإرهاب الأسود. آلاف الشهداء عبر سنين طويلة، قدموا ملاحم سطرها التاريخ بأحرف من نور.. لم يكن يخطر ببال مَن قدموا تلك التضحيات، أنه سيأتي يوم تصبح فيه أرض الفيروز، قِبلة السلام والمحبة، إلى ساحة للإرهاب وبؤرة للخائنين ووكرًا للمهربين. إن أهلنا في سيناء، دافعوا بشرف وبسالة عن الأرض والعرض، وكانوا في مقدمة الصفوف لقتال العدو المحتل، لأنهم مواطنين مصريين وطنيين، لا ينتقص من قدرهم وجود ثلة باعت نفسها وضمائرها للشيطان، فاستحلت الدماء واستباحت كل المحرمات. ما يؤسف له حقًا أن سيناء لم تتوقف فيها أعمال الإرهاب طيلة 15 شهرًا، شهدت خلالها موجات متتالية من قتل جنودنا الأبرياء، الذين يسهرون على حماية الوطن ويحافظون على أمنه القومي. لم يعد الأمر يحتمل سقوط شهداء جدد، يومًا بعد يوم، بيد آثمة غادرة لا تراعي حرمات أو مقدسات، كما أن الوضع أصبح خطيرًا للغاية، ما يستدعي بذل جهود مضاعفة لاقتلاع جذور الإرهاب التي ترسخت في سيناء. يجب أن تقوم الدولة من خلال جيشها وكافة أجهزتها، بمحاربة هؤلاء القتلة، حتى لا تكون سيناء منطقة رخوة في جدار الأمن القومي، وأن نعمل على منع أي مخططات خبيثة لتفريغ المنطقة وإرهاق القوات المسلحة وإشغالها عن القيام بدورها وواجبها المقدس. إن جذور الإرهاب في سيناء لم تُقتلع بعد، والقضاء عليه يحتاج لوقت طويل ومدة زمنية غير محددة، لأننا نواجه حربًا شرسة من الداخل والخارج، ولكن يمكننا بالعزيمة والإرادة أن نكسر شوكته، وتجفيف منابعه. جميع دول العالم تتعرض للإرهاب، ولا تستطيع القضاء عليه بين يوم وليلة، والوقت دائماً يضعف البنية التحتية للعناصر الإرهابية، ولذلك نعتقد أن الحل الوحيد للقضاء على الإرهاب في سيناء هو التنمية.. فلا أمن من دون تنمية، وبالتالي فإن التهجير ليس حلًا ناجعًا. العقل والمنطق يقولان إن سيناء هي التي تدافع عن مصر، عبر تنميتها وتسكينها وتعميرها ودمج سكانها مع باقي الشعب، من خلال مساواتهم في الحقوق والواجبات، وتغيير رؤية الدولة ونظرتها لهذه البقعة الغالية من أرض الوطن، التي كانت وستظل أرضًا للسلام والمحبة.