«مليون.. مليونان.. عشرة ملايين».. ربما يكون تعداد أولئك الذين يحملون اسم « سعيد» في دفاتر المواليد - المعلومة المؤكدة لدى الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- لكن كم «سعيد» في مصر تتشابه حياته وأيامه مع اسمه؟!. دع عنك «سعيد» وقصته!.. لأن السعادة لا ترتبط بالأسماء بالضرورة، وإذا كان الأمر كذلك، فإن مبارك «مبارك».. سرور «مسرور».. محلب «وش خير».. نظيف «نظيف» .. العادلي «عادل»!. السعادة التي نحلم بها هي أسلوب حياة يقوم على العطاء والبذل في سبيل الآخرين، وعلى العكس من ذلك، فقد طرح مبدعو الفلكور الغنائي الشعبي خلال الربع الأخير من القرن الماضي وحتى الآن مفهوما جديداً يعكس الهروب المجتمعي الكبير الذي اختصم وخصم من رصيد السعادة في حياتنا لحساب مشاعر الألم والندم وغيرها، حتى إن الأغنية الوطنية هي الأخرى لم تكن لتسبح ضد التيار العام الذي يركز على دغدغة العاطفة ليس إلا! باستثناء «بشرة خير» التي جسدت – بالصدفة - معنى السعادة والأمل في حياة المصريين. لقد ترسخ في عقولنا على سبيل المثال أن «كتاب حياتنا يا عين.. ما شفنا زيه كتاب.. الفرح فيه سطرين والباقي كله عذاب»، ومع التطور الطبيعي لهذه المعاني انتقلنا إلى مرحلة « أنا مش عارفني.. أنا تهت مني.. أنا مش أنا»، وأخيراً كانت شكوى المطرب حكيم - هذا اسمه من دون قصد- «ياما ناس تلاقي النعمة على الأرض بتدوسها، وناس غلابة تلم النعمة من على الأرض وتبوسها»!. يوماً بعد يوم.. عاماً بعد عام، تحول إحساس السعادة في حياتنا إلى حدث غريب غير مألوف، لكن هل صناع السعادة في حياتنا يفتقدونها؟!. على الرغم من أن غاية السياسي «جلب السعادة»، إلا أن التجربة العملية أثبتت أن «السعادة» و«السياسي» في مجتمعنا مثل ربيع وخريف لا يلتقيان!، وهنا ربما تسأل: هل شاهدت سياسياً واحداً يتباهى بسعادته - أقصد كونه سعيداً وليس رسمه الذي يسبق اسمه أينما وجد وحيثما كان- ؟!. لم يحدث ذلك في هذه البقعة من الكوكب، التي تُربّي وتُغذّي في السياسي كل شيء وأي شيء باستثناء «جلب السعادة»، ثم ننتظر منه تأسيس طالب سعيد.. معلم سعيد.. طبيب سعيد.. شارع سعيد.. حي سعيد.. قرية سعيدة.. مدينة سعيدة.. مجتمع سعيد!. حينما يفشل السياسي - صانع السعادة- في إسعاد نفسه، وحينما يتباهى بتعاسة أيامه منذ أن شغل منصبه القيادي على طريقة «تكليف لا تشريف»!.. فكيف تنتظر من ذلك السياسي تقديم خدمات السعادة على بابك؟!، بل ربما تكتشف أن السياسي ذاته قد جلس في غرفته الخاصة يشدو» أنا مش عارفني.. أنا توهت مني.. أنا مش أنا»، وأصبحنا «إحنا مش إحنا»!. هل ما تزال تنتظر إجابة عن سؤال: كم «سعيد» في مصر؟!. سبق أن ذكرت لك أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يمتلك هذا الرقم الذي ربما لا يعرفه أحد!.. لكن ما يمكنني تأكيده لك أن لي صديقاً يدعى «مصطفى» رزقه الله بطفل سمّاه «سعيد» منذ عامين إلا قليلا.. مصطفى سألني ذات صباح: لماذا لم تقدم حكومات الثورثين للمصريين وصفة السعادة للمصريين؟!. لم أجد إجابة تريح قلب «أبو سعيد» سوى: ربما لأننا نسينا أن «اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني، وعشان كده مصر يا ولاه.. حلوة الحلوات»!. فقط، دعاة «الكآبة» يمتنعون!.