جمهرة غفيرة من كتاب مصر ومثقفيها ظلوا فى نضال مستمر بما يملكونه من الوسائل يدفعون بمصر إلى التغيير الجذرى الذى كان يوم 25 يناير 2011 اليوم الرسمى لوقوعه بأيدى شباب مصر الذين خرج معهم الشعب كله يطالب بإسقاط النظام وقد استهلك الذين كانوا يدعون إلى التغيير الجذرى حوالى عقدين من الزمان من أعمارهم وصحتهم واضطهاد النظام لهم فى جميع مجالات حياتهم لكنهم لم تتبدل مواقفهم ووقفوا صامدين فى خندق المضطهدين، لكن الحقبة ذاتها شهدت فئة من النخبة المثقفة وجدت أن الأسلم لها أن تكون فى خندق «معارضة مستأنسة» يمكن أن توفر لها العيش بسلام دون «مفاجآت مؤسفة» مما حاق بالمعارضين الأصلاء!، وقد تبنى هذه «المعارضة المستأنسة» قطب النظام السياسى الذى سقط صاحب الموهبة المتفردة «صفوت الشريف» الذى جعل لهذا النوع من المعارضة منهجًا لا يمكن التعرف عليه ولا اكتشافه سوى المعارضين من هذا النوع، والبعض من الذين كانوا يتابعون ويرصدون حركة «نجوم هذه المعارضة» الذين يؤسسون الصحف المستقلة التي يسمح بها فقط!، ويحتلون مقاعد الحوار على شاشات الفضائيات دون غيرهم!، ويكون ضيوفهم دائمًا من الذين يختارون بعناية فائقة لكى يظل صاحب البرنامج والضيف فى حالة انتباه ويقظة للمنهج الذى وضعه صفوت الشريف!، وكانت المعارضة المستأنسة خلال العقدين الأخيرين من حكم مبارك تشهد «تجاوزات» تغضب النظام وصفوت الشريف وبعض الأنظمة العربية التي كان يعبر عنها باسم «الجماعة»!، وكان صفوت الشريف ينتفض بإجراءات عقابية «هادئة» أو «مزمجرة» تنتهى عادة باستمرار المتجاوزين على ذمة صفوت الشريف شخصيًا!، أو إنهاء البرامج التليفزيونية ووقف استمرارها!، ويحسن هنا بالذاكرة أن تعود إلي تحمل النظام المصرى و«الجماعة» على مضض مقلق لبرنامج حمدى قنديل الشهير «رئيس التحرير» الذى لم يكن يكتفى بتعليقاته على ما يذيع!، بل ويلفت الانتباه إلى المقالات والآراء الصادرة عن المعارضين الأصلاء فى صحف مصر والعالم العربى!. ولست أنسى فى هذا الصدد عمودًا لزميل راحل فى جريدة مستقلة وكان المرض قد اشتد عليه فكتب فى عموده ناشد صفوت الشريف «ألا يحرمه من حنانه».. هكذا!، وقد كان الزميل رحمة الله عليه يقدم برنامجًا تليفزيونيًا يبثه تليفزيون الدولة!، وآخر تبثه قناة فضائية خاصة!، ولست أنسى كذلك عمودًا صحفيًا آخر لرئيس تحرير ودع فيه رئيس مباحث أمن الدولة الذى ترك منصبه ليعين محافظًا لأحد الأقاليم!، وكان الوداع «حماسيًا» وشهادة لرئيس أمن الدولة السابق يؤكد عمق الصداقة وأواصر المحبة بين الرجلين!. حتى إذا اندلعت ثورة 25 يناير كانت مصر تشهد «هوجة» من الفضائيات الخاصة والصحف المستقلة والخاصة كذلك، وكان التمويل هو العنصر المشترك بين هذه الفضائيات من جانب، وبين الصحف المستقلة والخاصة الناشئة من جانب آخر، ونشأت التحالفات التى اجتازت اختبارات ما بعد الثورة فى 25 يناير بنجاح ملحوظ!، فقد سطعت لهذه الفضائيات وصحفها الخاصة والمستقلة «النجوم» التي تملأ صفحاتها وتحتل شاشاتها بالمقالات واللقاءات التليفزيونية وحتى تقديم البرامج بمعرفة الكتاب و«المناضلين» من الوجوه التي ظهرت بعد الثورة!، تملأ الشاشات والصحف والمنتديات «الثورية» بمختلف الآراء والأفكار التي تؤكد فقط أن هؤلاء قد «لاح» نضالهم من أجل الثورة التي قامت!، فكان النهوض واشحًا من أجل سرقة «الثورة» التى تواطأت إرادات على سرقتها و«تأميمها» لصالح مناضلى المرحلة!، وقد بان التصميم واضحًا من جانب تحالفات الفضائيات والصحف الخاصة على أن تكون مؤسساتهم «علامة ثورية تجارية» سائدة!، ولم يكن هؤلاء فى حاجة إلي الصراخ والشعارات الزاعقة فقد تولت عنهم كل ذلك صحفهم وفضائياتهم المختلفة!، التي سارعت إلي اختطاف كفاءات من صحف وتليفزيونات قائمة لكى تصدر وتبث بسرعة لأن الوقت لا يحتمل الانتظار! ولكن اللافت للنظر فى هذا كله أن هذه الأدوات الخاصة، فى عهد ثورة 25 يناير قد برز نجومها الجدد للحديث باسم الثورة والتدريس لما ينبغى أن يكون من إجراءات وسياسات!، وكان انتصار التيار الإسلامى فى الانتخابات العامة والرئاسية مما عجل بأن تتقاسم الفضائيات والصحف الخاصة «كعكة الثورة» مع التيار الإسلامى الذى جعل من الحياة السياسية الحالية مصر وكأنها فى «محكمة دائمة» منعقدة كل يوم!، و«نجوم المرحلة» الذين اصطنعتهم الفضائيات والصحف الخاصة يتذكرون ويذكرون كل شىء لقرائهم ومشاهديهم بما يؤكد أن مصر قد ولدت يوم 25 يناير المتفق مع تاريخ ميلادهم أيضًا!، ولا يذكرون أو يتذكرون شيئًا عما سبق هذا التاريخ من كتابات وآراء جيش من الكتاب والمثقفين دفعوا بنضالهم المسجل تاريخيًا الشعب إلى ثورته فى 25 يناير!