لا تدقق فرق «عوالم» الأفراح والليالي الملاح في خلقة العروس ولا هيئة العريس وأخلاقه، فالفرقة تتفق علي أجرها مقابل إحياء الليلة، ترقص الراقصة وتنشد المطربة نتيجة الصوت مع أفراد «عوالم» الزفة للعروس: «ياعود قرنفل ياعروسة» حتي لو كانت غراب البين! ويتغزل المطرب المزعج في سجايا العريس الذي لايعرف عنه شيئا سوي اسمه!، وقد اعتدت أن أرثي لأفراد أي فرقة من هذا النوع باعتبار أن ما يفعلونه في إحياء الليلة أقرب إلي أفعال البهلوانات تجبرهم لقمة العيش عليه! في حين أنني لم أشعر في أي يوم بتعاطف أو اشفاق تجاه فرق «عوالم» الإعلام الرسمي الحكومي طوال ثلاثين عاما حقبة مبارك ما قبل 25 يناير من العام الحالي حتي في أوقات مرض أو رحيل! فقد كنت أشعر دائما بالاشمئزاز من أصحاب وجوه أفراد الفرق التي تنامت وسيطرت واختيرت بعناية فائقة لتكون هي المعارضة والمؤيدة للنظام!، ولا يمنعني هذا الاشمئزاز من تقديري البالغ للمهندس العبقري الذي رتب هذه «التستيفة» من المؤيدين والخصوم في آن واحد! علي العكس تماما مما اعتادت الناس عليه من اختيار أنصارها دون اختيار خصومها! لكن السيد صفوت الشريف استطاع أن يفعل ذلك! وبحرفية بالغة من خلال خبراته التي تراكمت له قبل أن يسيطر علي إعلام دولة مصر وموقعه قبل هذه السيطرة في جهاز أمني مهم! فكيف كان له ذلك؟! ولأنني عشت خلال هذه الحقبة الثلاثينية لا أتوقف كثيرا عند اختيار أي وزير للإعلام، بحكم معرفتي وثقتي في أن الشريف العبقري ظل يدير إعلام الدولة سواء كان حاضرا رسميا بتولي هذا الإعلام، أو بعده عنه لمقتضيات خاصة بالدولة، وفي مهام كانت تحتاج إليه ولا يصلح لها غيره! مثل موقعه في المطبخ السياسي وكواليسه للحزب الحاكم حيث كان «الشيف» في هذا المطبخ بكل ما طبخه بيديه من آثام! ولكن بصماته في إعلام الدولة ظلت غائرة حتي يوم رحيله مع العهد الذي استأمره علي هذا الإعلام يديره مباشرة أو من وراء ستار! وكان لابد أن تتسق المنظومة الإعلامية للنظام من الصحف التي يملكها إلي الصحف التي يباغتنا الشريف بالترخيص بصدورها محددا لها دورا مرسوما حسب اقتدار الذين تولوا أمر هذه الصحف تحت عباءة الشريف في حين داخت وتعذبت أراق صحف جديدة لشرفاء أرادوا اصدار صحف لها الموقف المستقل بعيدة عن سطوة الشريف بل وكانت أوراق بعض الصحفيين تدوخ طلبا لاعتمادها لتتولي مكاتب صحف ومجلات عربية أو أجنبية فلا تصدر الرخصة للمكتب ومن يتولاه إلا بعد أن يقدم الشريف الشخص «المناسب» من عنده! أما جرائد الدولة ومطبوعاتها فقد كانت هيمنة الشريف عليها لاتعرف الخلل، هناك الوجوه التي تربعت عليها لسنوات طويلة تؤدي المطلوب منها وزيادة في تضليل الناس وتزييف وعيهم واستبعاد كل صوت معارض، وعدم افساح أي مساحة للغرباء إلا من يعتمدهم الشريف بنفسه! كماكانت لدي الشريف قدرة علي مشاركة النظام الأمني في اختراق صحف الأحزاب والأحزاب ذاتها راعيا لجهود رجال الأعمال والوزراء في افساد أجيال جديدة من الصحفيين والصحفيات بالرشاوي المختلفة، وأما جانب التليفزيون في ارساله الأرضي والفضائي وبث الفضائيات العربية من عزبة «الانتاج الإعلامي» فقد كان لها «شغلها» الخاص الذي يوليه الشريف عناية فائقة! فمعارضة الحكومة وافتراس وزراء بعينهم هي مهمة من وجد فيهم الشريف ضالة فاختارهم الشرف لتقديم «برامج المعارضة» التي أصبح لها نجوم! حتي إنه فرض بعضهم علي قنوات ليست تحت سلطانه لكنها «تتقي شره» وتبتغي مرضاته! واستطاع بهذه الأساليب أن يجعل هؤلاء «النجوم» الذين انتقاهم يقدمون برامج «سياسية» في القنوات الخاصة مصرية وغير مصرية دون أن يخل هذا بأحقيتهم في تقديم «برامجهم المعارضة» في تليفزيون الدولة! إذ كان مسموحاً لهؤلاء فقط بتقديم «الطبخة» المطلوبة التي لايتجاوزونها ويتهاونون فيها حيث إن صنبور المكافآت والمرتبات ظل مفتوحا «علي الآخر»! ودخلت الصحف حكومية وغير حكومية علي الخط تكرس جهود الشريف وتدعمها بأن تتسع صفحاتها لحوارات مع «نجوم التليفزيون» الحكومي وغير الحكومي! وما عدا هذه الأدوار المرسومة بمعرفة الشريف لم يكن هناك أي متسع لصوت متميز مغرد خارج السرب! وقد استقرت «طبخة» الشريف طيلة الثلاثين عاما دون أن يطرأ عليها ما يخل بها!، اللهم إلا عندما كانت الصيغة السياسية القائمة تحتاج لبعض التغيير عند «السأم»! فلما حلت غضبة الشباب وثورته في 25 يناير من عامنا هذا إذا بالشريف يترك إعلام الدولة في «حيص بيص» ولكي يتورط هذا الإعلام في الهجوم علي الثورة وهو ثابت في غيبوبته التي أنتجها «الشريف».