فى عهد مبارك، جاء وزير عدل مكافأة على إشرافه على أول انتخابات رئاسية تنافسية، وكان معروفاً بإخلاصه للحزب الوطنى وقياداته، وفى أحد الاجتماعات البرلمانية قال الوزير فى القضاة ما قاله مالك فى الخمر، ونشرت أنا كاتب هذه السطور كلام الوزير فى الوفد، ولم نكن الصحيفة الوحيدة التى نشرت، وفوجئت بدعوي قضائية مرفوعة ضدى من 14 محامياً بالحزب الوطنى فيما كان يعرف فى ذلك الوقت بنظام الحسبة، واعتبر محامو الحزب الوطنى أنهم من القضاء الواقف الذي يدافع عن القضاء الجالس، ولكن فى الحقيقة انهم كانوا محرضين من قيادات معروفة فى الحزب الوطنى ضد جريدة الوفد، وزير العدل فى ذلك الوقت تبرأ من الدعوى وأصر محامو الحزب الوطنى على الاستمرار فيها. وانتهت القضية أمام جنح مستأنف الوراق بعدم وجود صفة للمحامين فى رفع الدعوى، وكانت هذه الفترة من حكم مبارك قد شهدت فرض قيود مرعبة على حرية الصحافة، وجرت تعديلات فى بعض القوانين لفرض عقوبات لخنق حرية التعبير، وعرفنا فى هذه المرحلة عقوبة ازدراء الحكومة، وهى تهمة مطاطة، وعندما صدر «قانون الازدراء» وكان يطلق عليه الصحفيون البرلمانيون هذا الاسم، كتب الأستاذ محمود معوض مقالاً فى الأهرام بعنوان اللهم لا ازدراء، وكان ما كان ضده من قيادات الحزب الوطنى. اللهم لا تعد الأيام التى شهدت صدور قوانين تكميم الصحافة ومن ذلك قانون اغتيال الصحافة بالحبس الاحتياطى والذى تم إلغاؤه فيما بعد، وهو فى الحقيقة لم يكن حبساً للصحفيين ولكنه كان حبساً لكل مواطن يعبر عن رأيه بطريقة لا تعجب الحكومة على طريقة الازدراء، وانتهى قانون الحبس بعد معركة قوية خاضتها نقابة الصحفيين، وانتصرت فيها لحرية الرأى والتعبير وليس لحرية الصحفى، كما كانوا فى الحزب الوطنى يحرضون مبارك على الصحافة بأن الصحفى ليس على رأسه ريشة، وفعلاً الصحفى ليس على رأسه ريشة، لكن على رأسه هموم الحفاظ على حرية الكلمة للجميع، وتوصيل المعلومة الى المواطن. الحكومة الذكية لا تعادى الصحافة، لأنه لا توجد دولة بدون صحافة، ولا يمكن لأى نظام أن يعادى الصحافة حتى ولو كانت تنتقد أداءه فإن النقد البناء والموضوعى هو وسيلة لتصحيح الأخطاء، وعندما نصحح أخطاءنا فإن ذلك مقدمة لبلوغ الأهداف، والمهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء أثبت انه على رأس حكومة جديرة بالاحترام لأنها تحترم حرية الصحافة وحرية الرأى والتعبير، وهى حكومة ذكية تعرف أهمية دور الصحافة فى المجتمعات الحرة، وفطن للفخ الذى كان منصوباً للوقيعة بين الحكومة والصحافة لضرب الدور الكبير الذى قامت به الصحافة فى مساندة الثورة فى كافة مراحلها كما سلطت الضوء على مؤامرات الجماعات الإرهابية ضد الدولة، وتقديم التوعية للمواطنين، وأسرع محلب على تذويب هذه السحابة مع نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة والتى كان وراءها خلو اللجنة التى شكلها محلب لإعداد التشريعات الصحفية الجديدة من تمثيل نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى وتبين أن رئيس الوزراء لم يقصد تهميش المؤسستين، وتم تصحيح الموقف، بالاعتراف بالحق الدستورى للنقابة والمجلس الأعلى فى إبداء الرأى فى جميع القوانين المنظمة للمهنة، وتعهد محلب بعد لقائه مع نقيب الصحفيين ورئيس المجلس الأعلى للصحافة بعدم فرض قوانين على الصحفيين وصدورها بالتوافق. أهم المكاسب التى حصلت عليها الصحافة فى الدستور الجديد، والجماعة الصحفية فى انتظار تحويلها الى قوانين تطبق فى الواقع هى إلغاء الحبس فى جرائم النشر، وتتضمن عدم توقيع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، ويحدد القانون الجديد التعويض المالى الذى تحكم به المحكمة للمضرور من الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن فى أعراض الأفراد. وتطالب الجماعة الصحفية بأن يراعى واضعو التعديلات الظروف الاقتصادية التى يمر بها الصحفيون عند تحديد الحدين الأقصى والأدنى للغرامة، كما ينتظر الصحفيون صدور قانون تداول المعلومات للاعتراف بحق المواطنين فى المعرفة، والجديد فى قوانين الصحافة والإعلام، إلغاء المجلس الأعلى للصحافة، وانشاء ثلاثة كيانات تتكون من مجلس أعلى لتنظيم الإعلام ينظم شئون الإعلام المسموع والمرئى، وتنظيم الصحافة، ويكون مسئولاً عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام، وهيئة وطنية للصحافة تدير المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وهيئة وطنية مستقلة للإعلام تدير المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية، المملوكة للدولة، سيكوون نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة الحالى ونقابة الإعلام، تحت الإنشاء دور مهم فى ضبط هذه التشريعات وهى من التشريعات المكملة للدستور وأتوقع إقرارها فى مجلس النواب القادم لتصب فى خانة حرية الصحافة.