لو كان ما حدث في 25 يناير 2011 مؤامرة قام بها خونة من الداخل وأعداء من الخارج فإن السؤال الطبيعي جدا لمن يروجون لهذا الفحش والتزوير.. هل كانت مصر في نعيم طيلة أربعين عاما على الأقل قبل يناير 2011 ثم تآمر عليها ضعاف النفوس ومنزوعو الوطنية لهدمها وطمس حضارتها وافقارها بعد غنى واضعافها بعد قوة وتجهيلها بعد علم؟ هل كان المصريون صبيحة يوم 25 يناير 2011 عبارة عن 80 مليوناً من السعداء الذين يفوق دخل الواحد منهم سنويا اضعاف دخل المواطن ليس في اليابان أو ألمانيا وإنما في كوريا أو تونس التي عصفت بها الثورة قبلنا بأيام؟.. لا أختلف مع كثيرين في ان هناك من روجوا للفوضي ومن ابتزوا مشاعر المصريين لأغراض ومنافع شخصية وهناك من استغل أيام العاصفة وخرب ودمر وسرق - ولكن هذا شأن ما يصاحب الكثير من الثورات وعلى القانون أن يأخذ مكانه ومكانته لضبط الحياة في أي مجتمع.. أما مصيبة هذا البلد الحقيقية ففي إعلامه ومثقفيه والاثنان اصبحا واحداً أو وجهين لكيان واحد وتبادلا الأدوار في السنوات الأربع الأخيرة. الحقيقة أن من تآمر على مصر بقصد او بجهل هم هؤلاء الذين تربحوا في اسواق نظام ما قبل يناير 2011 ثم اختبأوا في أعقاب عواصف 25 يناير وراقبوا ما يحدث وحبسوا أنفاسهم بانتظار ما ستصل إليه الأمور ولم يكن للسلطة أو مصر كلها ان تكون جائزة للإخوان إلا لأن مثقفينا واعلاميينا في المجمل وعلى مدي أربعين عاما تم تدجينهم وترويضهم من قبل من حكموا مصر ومن تمرد دفع ثمن موقفه سجنا واعتقالا وتجويعا وقهرا. لقد شارك المثقفون والإعلاميون في تجهيل وتسطيح عوام الناس ومتعلميهم على حد سواء وتراجعت مصر والمصريون لعقود متتالية وانهارت القيم والمبادئ الرفيعة واستبدلت بغرائز مادية متوحشة سيطرت على نخب المثقفين ونخب اللصوص في آن واحد.. عشر سنوات ونيف مع السادات (70 - 80) لم يغتن فيها إلا اللصوص وأهل النخبة، وثلاثون عاما مع مبارك لم يغتن فيها إلا اللصوص وأهل النخبة. وقد هاجر خلال العقود الأربعة ملايين المصريين سعيا للعمل والترزق ولو كانت مصر جنه لما هرب الملايين من شباب وشيوخ ونساء هذا البلد للعمل في بلاد كثيرة تحت ظروف من العبودية والاذلال لم تحدث بهذا الشكل والقدر في عصور غابرة وغبراء. المهم ان استمرار حالة الهلع التي عليها بعض أصحاب الأبواق والاقلام من سيرة 25 يناير امر يدعو للشفقة عليهم لأن حالتهم مرضية ولبستهم فوبيا اسمها ثورة يناير وكأن من يستحق شرف الانتساب لثورة 30 يونيو لابد أن يقدم شهادة تثبت احتقاره وتحقيره لما حدث في يناير .. واذا كان 30 مليوناً خرجوا لإسقاط حكم الاخوان في يونيو 2013 ويوم 3 يوليو كان حكم الإخوان في حكم الماضي غير المأسوف عليه فإن الثابت ايضا والمشرف ان ملايين المصريين لم يتركوا الميادين في كل أنحاء مصر على مدي 18 يوما من 25 يناير وحتى 11 فبراير يوم إجبار الرئيس الأسبق حسني مبارك على التخلي عن السلطة.. والجيش الذي وقف بشرف مع الشعب في ثورة يناير 2011 هو نفسه الذي وقف مع الشعب يوم 3 يوليو 2013. الخلاصة ان مصر يا سادة ليست ضحية مؤامرة من خونة بالداخل واعداء من الخارج اتفقوا على اسقاطها في دوامة التخلف والفقر والفوضي يوم 25 يناير 2011.. مصر ضحية مثقفين كان المفترض ان يكونوا طاقة تغيير وتنوير وإذا بهم جماعات منافع وتكويش وتسطيح.. مصر ضحية أجيال من أصحاب الأقلام والأبواق الذين بدلا من ان يقودوا الناس نحو الحق والفضيلة وقيم العدل والصدق - فإذا بهم جيلا بعد جيل يربون قراءهم ومشاهديهم على كل فنون الكذب والدجل والفهلوة وإعلاء قيم السطحية وتتفيه كل شيء على حساب قيم الجدية والابتكار واحترام الكفاءة. ألم يسأل أحد نفسه هل انهار التعليم والمسرح والسينما والكتاب خلال أربعين سنة مضت بسبب مؤامرة أم بسبب جهل وتقاعس المثقفين والمتعلمين والإعلاميين وخيانة الجميع للجميع.. ألم يسأل أحد نفسه من مهابيل نظرية المؤامرة من أفقر 50 مليون مصري وحول حياتهم إلى جحيم يومي لا يطاق رغم أن فقرهم قد هبط عليهم وبقسوة خلال عقود انفتاح السبعينيات وفساد ثلاثة عقود بعدها؟ هل يعقل ان يتصدر قافلة الثقافة والإعلام في مصر بعد ثورتين أناس كل خبراتهم السابقة اجادة فن الكذب والتطفل وكتابة التقارير والرضاعة من حليب الأثرياء؟ هل معقول ان يلعب دور البطولة بعد ثورتين بهاليل وبقايا متعلمين؟ هل معقول بعد عواصف يناير ويونيو ان يتصدر المسرح من لا يصلحون للعب دور كومبارس صامت..؟ اعتقد ان مصر لم تكن ضحية مؤامرة يوم 25 يناير 2011 ولكنها كانت وما زالت ضحية أجيال ممن يتربحون من جهلهم وموت ضمائرهم وفساد الحياة من حولهم..