في شوارعنا التي أصبحت اعاقة مضافة الي كل ذوي الاحتياجات الخاصة تزيد من معاناتهم الجسدية والنفسية سواء كانوا فاقدي البصر أو اصحاب اعاقات حركية يستعينون بعصا أو عكاز أو كرسي متحرك أو حتي سيارة مجهزة جولة بسيطة في شوارعنا ووسائل المواصلات العامة أما الصم والبكم فالمجتمع لا يجيد التعامل مع اعاقاتهم ولا يفهم لغتهم مما يمثل عبئا عليهم في كل الشوارع والاماكن العامة. الأرصفة المرتفعة تتسبب في سقوط الكثيرين بالشوارع جملة قالتها لي مني طالبة بكلية الآداب مصابة بشلل اطفال لا تعتمد علي اي جهاز تعويضي. فقط تتكئ بيدها علي قدمها المصاب قالت الرصيف عالي والمكان المخصص للمعاقين بعيد عن مدخل الكلية سقطت في الشارع اكثر من مرة وسبب هذا لي احراجا كبيرا اما شيماء التي تعتمد علي مترو الأنفاق في تحركاتها فلديها اعاقة بسبب قصر ساقها اليسري تقول غالبا ما يكون الاسانسير «عطلان» خاصة في محطة الدقي اما اذا كان «شغال» فيزاحمنا فيه الركاب العاديون ونضطر لصعود السلم العادي لان الكهربائى خطر وممكن «يزحلقنا» وهنا ابتسمت صديقتها هيام وقالت احمدي ربنا فيه محطات ما فيش فيها اسانسير أصلا زي رمسيس ويقول محمد «كفيف»: «مافيش رقابة والعيال بتلعب في الأسانسير اصلا المفروض يكتبوا لافتات في الشوارع وعند المحطات لأن حتي في الاتوبيسات والمترو الناس بتحتل الاماكن المخصصة للمعاقين ولا يتركوها لهم «والله بنقف طول المشوار وما حدش بيرحمنا» المشكلة ليست في المواصلات فقط فما يسمي ب «كود الاتاحة غائب عن كل ما يحيط بذوي الاحتياجات الخاصة فسمير يسير بكرسي متحرك اشتراه بتحويشة العمر يستخدمه ليصل الي عمله بأحد المحلات القريبة من مسكنه بشبرا لكن لايعرف كيف يسير بكرسيه في الزحام حتي الأرصفة احتلتها المقاهي. اما اسماعيل طالب الدراسات العليا بجامعة القاهرة فيؤكد أن الشوارع في الجامعة مستباحة للسيارات التي تسير بشكل عشوائي دون الالتزام بمسارات محددة مما يشكل خطرا علي الطلاب المعاقين جميعهم وليس المكفوفين فقط». بنارات وليس اعلانات في أسى شديد شكت لي احدي الفتيات المعاقات من عدم احترام حقوق المعاقين في الشوارع وقالت: الأرصفة وخاصة في منتصف الطرق مزروعة اعلانات بدلا من البنارات التي من المفترض أن نستند إليها هذه المواسير المعدنية لابد أن تتوافر في أماكن الصعود والهبوط في كل الشوارع والأماكن والهيئات التي تتعامل مع المواطنين لكنها للاسف غائبة في الغالب من ناحية أخري أشار ابراهيم محمود الي ان المعاقين من اصحاب السيارات المجهزة ليسوا بالأفضل فالاماكن المخصصة لركن سياراتهم يتم الاستيلاء عليها من السيارات العادية ويحترف البلطجية في الشوارع وخاصة وسط البلد تأجير ها لاصحاب السيارات رغم وجود لافتة تؤكد أنها مخصصة لسياراتنا. شارع صديق إن من يسير في الشوارع المصرية يجدها تعاني من الكثير من الصعوبات والمشكلات منها سوء حالة الأرصفة حيث توجد بها مساحات كبيرة محطمة وبعضها مرتفع عن مستوى الشارع بشكل كبير إلى جانب ترك بعض بلاعات الصرف غير مغطاة وكذلك وجود شجر ذي أفرع ممتدة تعيق السر وأيضا وجود لوحات إعلانية على الرصيف فضلا عن ترك أكوام القمامة على الرصيف وبقايا البناء إلى جانب التعدي على الرصيف من قبل الباعة الجائلين وأصحاب المحال والمقاهي واستخدام الرصيف كمكان لانتظار السيارات. وإذا كانت هذه الجوانب تعوق حركة سير الأشخاص العاديين فإنها تؤثر بشكل أكبر على الأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف فئاتهم لا سيما أنهم لا يجدون البيئة المناسبة التي تحقق العيش الكريم. وعلى الرغم من وجود نص في الدستور المصري الأخير يلزم الدولة بتنمية المعاق سياسيا وثقافيا وتهيئة بيئة لتناسب ظروفه وإمكاناته إلا أن الدولة لم تتبن سياسة حقيقية لتفعيل الدستور والقانون فكان مجرد حبر على ورق. من أجل ذلك تسعي مبادرة «شارع صديق» التي أطلقها الدكتور ابراهيم عمارة مدرس مساعد الاعلام بجامعة طنطا لتحقيق هدف رئيس هو تهيئة الشوارع والأرصفة لتجعل من السهل على المعاق السير والحركة ومن ثم ممارسة كافة أنشطة الحياة اليومية مع العمل على دعم الإستقلالية والاعتماد على الذات لدى المعاقين والاندماج في المجتمع بشكل فعلي وإذا كان الشارع ممهد لذوي الإعاقة فإنه سيكون ممهداً لجميع فئات المجتمع التي تستخدم الشارع وتجد معاناة في السير فيه, كما تسعى المبادرة نحو رفع مستوى وعي فئات المجتمع المختلفة بكيفية التعامل مع ذوي الإعاقة في الشارع وكيفية تقديم أشكال المساعدة والدعم في الطريق دون إشعار المعاق أنه عاجز أو يحتاج لمنة وشفقة من الآخرين في ظل مجتمع يعاني معظم أفراده من الأمية والفقر ويسود فيه خطاب إعلامي يقزم من ذوي الإعاقة ولا يهتم بمناقشة مشكلاتهم وقضاياهم الحياتية. وتقوم فكرة المبادرة على محورين: يتمثل الأول في إعادة بناء الرصيف وتمهيده ليناسب ذوي الإعاقة مع توفير رسائل معينة للمعاقين منها بناء رامبات مائلة لتصعد عليها الكراسي المتحركة وكذلك توفير الإشارات الصوتية لتساعد فاقدي البصر وأيضا زيادة عدد المطبات لتقلل من سرعة السيارات وتفعيل خطوط المشاة وتزويد الشارع بلوحات إرشادية مكتوب عليها بطريقة «بريل» للمكفوفين وبخط كبير لضعاف البصر وبلغة الإشاراة للصم. أما المحور الثاني فيتمثل في إطلاق حملة توعية على نطاق واسع تستهدف زيادة وعي الجمهور بكيفية التعامل مع المعاق في الشارع وتشمل الحملة الأشخاص المارين في الطريق وسائقي السيارات ورجال المرور وتستعين الحملات بأساليب التوعية المختلفة سواء السلاسل البشرية أو الندوات وورش العمل أو المؤتمرات وكذلك أسلوب التوعية بالرياضة من خلال تنظيم أيام رياضية بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة وأيضا التوعية بالرسم من خلال تنظيم مسابقات فنية في قصر الثقافة إلى جانب التوعية من خلال العروض المسرحية التي ستقدمها فرقة المفتحين المسرحية للمكفوفين وأيضا فرقة هتاف الصامتين للصم بالمحلة مع اختيار أسلوب التوعية المناسب لكل فئة أو موقع جغرافي. ويشير الدكتور عمارة الي ان العمل بدأ من شهر إبريل 2014 بعرض المبادرة على الجهات التنفيذية في المحافظة وبعد ضغط إعلامي كبير قام محافظ الغربية بالاستماع لمطالب ذوي الإعاقة، إلا أنه حتى الآن لم يتم تنفيذ إلا القليل من مطالب ذوي الإعاقة في الشارع. وتواجه المبادرة مجموعة من التحديات تأتي في مقدمتها عدم وجود استراتيجية حكومية للاهتمام بذوي الإعاقة والعمل على حل مشكلاتهم وإدماجهم في المجتمع حتى أن المجلس القومي لشؤون ذوي الإعاقة والذي من المفترض أن يدافع عن حقوق المعاقين أصبح عاطل عن العمل وغير مفعل إلى جانب ذلك هناك نقص في الموارد المالية المطلوبة لتنفيذ المبادرة سواء لتوفير التجهيزات أو الوسائل المعينة لتهيأة الشارع أو حتى لتوفير الوسائل والأدوات المستخدمة في تنفيذ برامج التوعية في الشارع والمؤسسات المختلفة، فضلا عن ذلك هناك تعنت حكومي وسلبية، حيث تراخى محافظ الغربية ورئيس حي ثاني طنطا في تنفيذ المبادرة بعد أن وعد المحافظ بتطبيقها وأيضا عدم مسارعة كلية تربية نوعية لتنفيذ طلب المبادرة في أن يتم تكليف الطلاب بتنفيذ بعض الرسومات التوعوية في الشارع لخدمة الفكرة, أيضا انتشار الأمية والجهل بين قطاع كبير من أفراد المجتمع المصري مما يجعل من الصعب تنفيذ برامج التوعية والتثقيف بقضايا وحقوق المعاقين وكيفية التعامل معهم بشكل أمثل ,هذا بجانب الصورة الذهنية السلبية التي يتم تقديمها في الإعلام عن الأشخاص ذوي الإعاقة وتصويرهم بأنهم أشخاص غير فاعلين ودائما محتاجون للشفقة والإحسان من المجتمع وكذلك انقسام المعاقين أنفسهم وعدم اتحادهم تحت مظلة تجمعهم وتمثل قوة ضغط على صانع القرار حتى يهتم بهم ويلبي احتياجاتهم ويخفف معاناتهم. وفي الأشهر القادمة سيتم تنفيذ المبادرة في محافظة الغربية في مدينة طنطا والمحلة وكفر الزيات وأيضا في بعض القرى في المحافظة وخلال السنوات القليلة القادمة سيتم تنفيذ الفكرة في عدد من المحافظات المصرية تبدأ بمحافظات القليوبية والإسماعيلية وبني سويف والأقصر سواء بتهيئة الشارع أو تنفيذ حملات التوعية وسيتم التنسيق مع وزارة التعليم أن يتم تضمين المناهج الدراسية موادة خاصة بالتوعية عن ذوي الإعاقة وكذلك تقديم توصية لوزارة الأوقاف أن يتم تخصيص بعض الخطب عن أسس التعامل مع المعاقين من المنظور الإسلامي وكذلك الضغط على وسائل الإعلام لتزيد من المساحة المخصصة لذوي الإعاقة في البرامج المختلفة علاوة على تأسيس أول مركز في الشرق الأوسط تكون مهمته إجراء بحوث ودراسات حول مشكلات وقضايا ذوي الإعاقة وكذلك وضع أسس التهيئة والإتاحة للشوارع والمباني والإشراف على تنفيذها على أرض الواقع. وإذا تحققت هذه الأفكار البسيطة سنصل لمجتمع يحترم حقوق ذوي الإعاقة ويستفيد من طاقاتهم وقدراتهم المتميزة في برامج التنمية بدلاً من تهميشهم وجعلهم عالة على المجتمع وسنصل للمجتمع الذي يعظم من قيم المواطنة والمساواة من خلال شارع يجمع كل طوائف وفئات المجتمع لا يفرق بين كبير وصغير ولا معاق أو غير معاق.