شهدت مكة سيولا استمرت يومين ودخلت المياه الي المسجد الحرام والكعبة وبعد انحسار الماء تبين ضعف الجدارين الشمالي والشرقي وتصدع الجدار الغربي للكعبة. ولم ينتظر محمد علي باشا والي مصر أوامر ومشورة السلطان العثماني مراد الرابع حتي لايستفحل الامر وبعث بمندوبين عنه الي مك واستقر رأى المهندسين المصريين علي هدم البيت كله واقامه بناء ثانٍ قوي وذلك بعد ان اكتشفوا ان ركن الحجر الاسود يوشك علي الانهيار .ويعد هذا البناء هو السادس في تاريخ الكعبة بعد البناء الخامس الذى أقامه الحجاج بن يوسف الثقفي وهدم فيه الزيادات التي احدثها ابن الزبير. ولم يكن العمال المصريون يعيدون من الاحجار التي بني بها عبد الله بن الزبير الكعبة إلا ما وجدوه صلبا وقويا . وعالجوا تصدع الحجر الاسود بتقويته بسيور من الفضة. ولما تم الانتهاء من اعاده بناء الكعبه حرر المهندسون المصريون محضرا بذلك متضمنا شهادة المكيين بحسن عمارة الكعبة التي بلغت تكاليفها ستة عشر ألف جنيه تحملتها مصر بالكامل. وبالنسبة لكسوة الكعبة فقد استخدم خلفاء تبع أبو كرب أسعد الملك اليمني ( اول من كسا الكعبه) قماش القباطي الذى كان يصنع في مصر واستخدمه الرسول عليه الصلاة والسلام في كسوة الكعبة . وكان الخلفاء العباسيون اول من كسا الكعبة بالحرير الاسود وعندما ضعفت الدولة العباسية صار يكسو الكعبة تارة حكام مصر وتاره اخرى حكام اليمن ثم انفردت مصر بكسوة الكعبة حينما امر الخليفة الفاطمي المعز لدين الله بعد فتحه مصر بعمل الكسوة من الديباج الأحمر وفي حافاتها اثنا عشر هلالاً ذهبياً وتم تطريزها وتطعيمها بالياقوت الأحمر والأصفر والأزرق ونقشت عليها الآيات القرآنية بالزمرد الأخضر. ويرجع تاريخ المحمل المصرى الي شجرة الدر حيث ركبت هودجا الي مكة لأداء فريضة الحج في احتفال مهيب وأصبح منذ ذلك الوقت سنة متبعة سنويا .ووصلت نفقات المحمل مائتي الف دينار بينما بلغت تكاليفه في بداية القرن العشرين نحو خمسين ألفاً من الجنيهات وأنشأت الحكومة دارا للكسوة الشريفة بحي الخرنفش بميزانية4550 جنيهاً. وكانت وظيفة أمين الكساوى والحلوى ضمن وظائف المحمل ومهمته توزيع الحلوى والكساوى علي أهل مكة ثم استعيض عنها بأثمانها. بالإضافة الي ذلك كان يخرج مع المحمل موظف يسمي ب( مأمور الذخيرة)في عهدته كميات كبيرة من «البقسماط» ليسد الحاجة إذا مانقص الطعام بمكة. وظلت مصر علي مدى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ترسل الكسوة للكعبة سنويا .وبعد قيام الدولة السعودية وانتشار المذهب الوهابي من ناحية وتباطؤ الملك فؤاد في الاعتراف بها طمعا في الخلافة الاسلامية. حدث ان قامت بعض القبائل النجدية في عام 1926 بالاعتداء علي بعثة الحج المصرية اعتراضا علي ما يصاحبها من طبول وزمور ورايات إلي جانب الحرس المسلح. وأسفر الاشتباك عن وقوع إصابات بين الطرفين كانت بين النجديين أكثر منها بين المصريين. وقد حاول الملك عبدالعزيز آل سعود تهدئة خواطر المصريين وأصدر حزب الوفد بيانا أكد فيه ان حل الخلافات من مصلحة البلدين ودعا الاقتصادى طلعت حرب إلي التعاون بين مصر والسعودية. إلا أن عودة المحمل المصرى دون ان يقوم أميره بتوزيع الصدقات علي فقراء مكة والمدينة والانفاق من أوقاف الحرمين علي شئون الحرمين قد زاد من حدة الموقف ودفع الحكومة المصرية الي منع سفر المحمل والحج حتي عقدت معاهدة 1936 بين البلدين ووقعها نيابة عن مصر زعيم الوفد مصطفي النحاس. وأكدت فيها المملكة السعودية حرصها علي عودة الحجاج المصريين وتمكين الحكومة المصرية من رعاية الحرمين عمرانا وبناء وطلاء وكافة المرافق الملحقة بشرط الاتفاق المسبق بين البلدين. كما طلبت المملكة التبليغ المسبق عن إرسال المحمل بشرط عدم اصطحابه لطبول أو زمور وان يكتب علي الكسوة الشريفة انها أهديت الي الكعبة في عهد حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود وظل الأمر كذلك إلي ان تولت المملكة السعودية شئون الحرمين ولم يمنع ذلك استعانتها بكبار المهندسين المصريين لتصميم وتنفيذ التوسعات. هكذا كانت العلاقة بين المصريين والكعبة.. تاريخ من الحب والعشق الموصول.