هناك وجهان الاول مشرق والاخر مظلم للديمقراطية، اعتقدت خطأ في الماضي ان الديمقراطية كلها وجه واحد مشرق للشعوب التي تطالب بها. ولكن بعد التجربة المريرة، التي مرت بها البلاد في الانتخابات الماضية، والتي افرزت لنا اخوان الشياطين ، ايقنت ان هناك وجهاً آخر مزيفاً للديمقراطية. الديمقراطية الحقيقية كما تعرفها الدول المتقدمة ، لها ضوابط لابد من توافرها، من هذه الضوابط، أن تكون الشعوب علي درجة كافية من الوعي والثقافة ، وان يكونوا ايضا علي درجة مقبولة من الحياة الكريمة. فالديمقراطية كما عرفها فقهاء القانون ، هي ان يحكم الشعب نفسه بنفسه، أي أن يختار الشعب بإرادته الحرة الواعية حكامه، سواء اكانوا الرؤساء ام كان ممثليهم في المجالس النيابية. من هنا، فيجب أن تكون الإرادة للشعب فى ممارسة سليمة للديمقراطية، علي درجة مقبولة من العلم والثقافة والحياة الكريمة، حتي لا يقعوا فريسة لكل صاحب هوى. لقد شاهدنا جميعاً كيف كانت الانتخابات الماضية وكيف تم فيها استغلال الفقراء ومحدودي العلم والثقافة، بالصورة التي أفرزت لنا إخوان الشياطين. الانتخابات الماضية لم يكن فيها للشعب المصري إرادة حرة واعية، لقد وقع غالبية شعبنا خاصة البسطاء منهم، تحت تأثير العديد من المؤثرات، اهمها الشعارات الدينية الجذابة، فضلاً عن العطايا والمنح، فتم إيهام الشعب أن إخوان الشياطين هم وحدهم المقربون الي الله ، وانهم وحدهم القادرون علي انتشال البلاد من الظلمات الي النور، كل ذلك كان له التأثير الاكبر علي ارادة الناخبين. مرة أخري أقول.. الكارثة الكبرى هي أن يتم التأثير علي الفقراء ومحدودي العلم والثقافة من شعبنا، تارة باسم الدين، وتارة اخري عن طريق استغلال الفقر والعوز، فلا يخفي علي احد ان الامية في مصر تزيد على 30 % وان الفقراء يزيدون على 40 %. ومن هنا، فإن تطبيق الديمقراطية في حالتنا هذه لن يأتي بالثمار المرجوة منها، فكما سبق ان قلنا ان الديمقراطية الحقيقية هي ان يختار الشعب حكامه بإرادته الحرة الواعية. كنت اعرف جيدا ان غالبية شعبنا من الفقراء ، كما ان انعدام الثقافة يعم الكثيرين، رغم ذلك كنت اعتقد أن تطبيق الديمقراطية وممارستها في حد ذاته سيأتي بالثمار المرجوة منها، حتي لو كانت النسبة الاكبر من الشعب المصري محدودة العلم والثقافة والحياة الكريمة . ولكن فاتني ان في مصر شياطين يستغلون الدين اسوأ استغلال للوصول الي الحكم. لقد استطاع اخوان الشياطين ان يؤثروا في عقول ووجدان الفقراء والبسطاء منا بكل سهولة وبأيسر السبل مستغلين في ذلك الدين، عملا بالمقولة المشهورة (ان الدين هو افيون الشعوب) أي إنه عن طريق الدين يمكن ان تقود الشعوب كيفما شئت. ومن بين الضوابط الأخرى للديمقراطية الحقيقية، هو ان تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة، والمقصود بكلمة حرة، هي ان تكون ارادة الناخبين حرة، لا ترهيب فيها، ولا ترغيب يؤثر عليها، اما المقصود بنزاهة الانتخابات، فهي ان تتم العملية الانتخابية تحت إشراف اناس يخافون الله بصدق، وأن يراعوا ضمائرهم بحق، بدءاً من عملية التصويت وصولاً الي إعلان النتائج، في هذه الحالة فقط تكون الانتخابات حرة ونزيهة، وهذا هو المقصود بالديمقراطية الحقيقية التي تعبر عن الارادة الصادقة للجماهير. خلاصة القول، إن الديمقراطية في تقديري نوعان، نوع مشرق ، وهو ما يعرف بالديمقراطية الحقيقية، وهذا الذي تمارسه الشعوب الواعية في دول العالم المتقدم، أما النوع الآخر وهو النوع المزيف للديمقراطية، فهذا النوع تسير في دربه شعوب العالم المتخلف، عن طريق ما يعرف باسم الدجل السياسي، تارة باسم الدين، وتارة أخري بالمنح والعطايا، وذلك كله للتأثير علي الشعوب والسيطرة عليهم. ولكن السؤال الآن: يا تري هل استفاد شعبنا من التجربة الماضية؟ هل ادرك شعبنا الفرق بين الوجه المشرق للديمقراطية والاخر القبيح؟ كلي امل ان تكون الانتخابات القادمة ، هي المفتاح للديمقراطية الحقيقية، التي علي اساسها سوف يتقدم شعبنا ويزدهر، حتي يصل بمصرنا العزيزة إلي المصاف الاولي من دول العالم. حمي الله مصر وجنبها الوجه المظلم من الديمقراطية.