لماذا نصر على منع مشايخ التيار السلفى من الخطابة وإلقاء الدروس؟، لماذا أغلقنا الباب فى وجوههم؟، لماذا نصر على إعادتهم إلى الغرف المظلمة؟. كنت ومازلت ضد عشوائية الفتوى وإتاحتها أمام كل من هب ودب، واقتصارها على مصدر واحد، وهى المؤسسة الرسمية الحكومية المنوطة بالإفتاء، صحيح لبعضنا بعض الملاحظات على بعض الفتاوى التى تصدر عن المؤسسات الدينية الحكومية، لكن فى النهاية لا يجب أن تترك للأفراد أو الجماعات أو الأحزاب، لأن ذلك يزرع الفرقة ويشعل الفتنة ويفتح الباب للتناحر والبلبلة. وقد سبق وكتبت هنا منتقدا بعض الآراء التى يصدرها رموز التيار السلفى، ليس لأنها تخالف الخطاب الديني الحكومي، ولا لأنها تكرس لخطاب بديل، بل لأنها أولا تعتمد على النقل، ثانيا تستدعى المهمل والفردي والمتشدد فى الخطاب الفقهي الموروث، وأيامها طالبت بتوحيد جهة الفتوى، لكننى لم أطالب أبدا بالحجر على قيادات السلفية أو غيرهم، أو إجبارهم على عدم إعلان رأيهم فى بعض المسائل تحت أى مسمى، فله أن يعلن رأيه ولنا أن نناقش وننتقد ونظهر عوار هذا الرأى ان وجد. وأظن أن إتاحة الفرصة أمام قيادات التيار السلفى أو غيرهم من الجماعات التى كونت خطابها وفقهها الخاص، من العوامل الصحية اجتماعياً وفكرياً وأمنياً، لأننا نتعرف بسهولة على خطابهم، كما أنه يمكن مناقشته وانتقاده، بمعنى آخر اعلان الجماعات والتيارات عن خطابها يعنى بالضرورة أنه يمكن قبولهم التحاور حول هذا الخطاب، لأن إعلانه فيه اختبار لمدى قابليته وصحته، وهنا سوف يستمعون ويقرأون لما يكتب ويقال عما أعلنوه تحت مسمى الفتوى أو الرأى، وقد يحاولون الدفاع عن رأيهم بالحجة، وهو ما يعنى التحاور وتبادل الحجة والرأى، وهذه العملية بالطبع قد تؤثر فى الطرفين، فقد ينتبه أصحاب الخطاب لضعف حجتهم فيعدلون أو يتراجعون، وقد ينتبه أصحاب الخطاب الحكومي لرؤية غابت عنهم ربما تطور أو تعدل أو تحسن فى الثابت المتفق عليه. من هنا نرى أن إقصاء الخطاب السلفى وإجباره على العودة إلى الغرف المظلمة، فيه خطورة على المجتمع فكريا وفقهيا وأمنيا، لأن الذى تقصيه وتجبره على الانزواء يشعر بالظلم، ومرارة الظلم تدفعه إلى إنتاج ما يواجه به هذا الظلم، فيبادلك عنفا بعنف، قد يكون فى بدايته فقهيا، فيصنع خطابه الفقهي الذي يبرر إقصاءه وظلمه وعنفك معه، ثم يتطور الخطاب من مجرد خطاب فكرى إلى محاولة للخروج من الخانة التى حاصرته بها، فيصنع خطاباً يمكنه من فتح نافذة في الدائرة التي سجن بداخلها، ويصنع كذلك ما يعينه على معاقبة الحكومة التي ظلمته وحاصرته وتركته مهملا لا ينظر إليه ولا يعتد به. أظن ان الحكومة مطالبة بأن تعيد النظر فى قرار ابعاد مشايخ التيار السلفى عن الخطابة والدروس، وعليها أن تفتح الباب أمامهم لكى نتعرف على فكرهم وخطابهم، ويتعرفون هم كذلك على الرأى المخالف والمضاد لما يطرحونه، لا أعنى أن نترك المساجد لهم، ولا أن نتركهم يلونون خطب صلاة الجمعة بفكرهم، بل نرى أن نجعلهم يشاركون فى الخطابة تحت اشراف المؤسسات الدينية الحكومية، نسمح لهم بالخطابة فى المساجد التى تبتعد عن انصارهم، لانه من المستحيل ان نخصص لهم وأنصارهم مساجد يصلون ويخطبون فيها، كما نلزمهم بالخطابة ضمن الخطب الموحدة والابتعاد عن الإفتاء، بمعنى أن يخطب فى مسجد يرتاده غير السلفيين ويلتزم بموضوع الخطبة المقررة من المؤسسة الدينية الحكومية، ونرى كذلك أن نتيح لهم فرصة إلقاء الدروس، بشرط أن تكون معلنة ويحضرها الجميع من أبناء التيار أو غيره، وأن يسمح بالمناقشة والحوار، قد تنتهى الجلسات بمشادات أو بمشاجرات لكن فى النهاية سوف تعم الفائدة على الجميع وعلى أمن البلاد.