- كيف تتكون الأحزاب؟ - في الدول العريقة.. ذات الديمقراطيات القديمة هناك ثلاثة اتجاهات لحكم البلاد.. أية بلاد.. الليبراليون الذين يؤمنون بحرية الفرد في الرأي وفي الاقتصاد وفي التمليك.. الايمان العميق بالحرية لأبعد الحدود.. وهناك الاتجاه المضاد تماماً.. الفرد ملك الدولة.. الفرد لا يملك شيئاً وليس حراً حتى في دينه.. ولا في آرائه.. يسمونها «ديمقراطية العمال».. وهى الشيوعية ويسمونها البيروليتاريا.. وهناك الاشتراكيون.. الوسط يدوسون على ديمقراطية الرأسمالية بلاحدود.. ولا على أية قيود - في نفس الوقت - على الرأي أو التمليك أو النشاط الاقتصادي.. اشتراكية لا ترضى بالفوارق العظمى بين أفراد الشعب الواحد. عادة في الدول الديمقراطية العريقة الأحزاب ثلاثة أو أقل أو أكثر.. في هذه الحدود. ولكن مصر كان لها وضع خاص. بعد توالي الاحتلال الأجنبي المختلف ثم جاء المماليك ليمصوا دم الشعب المسكين.. ثم بدأت حركة التنوير على يد محمد علي الكبير من رفاعة الطهطاوي الى جمال الأفغاني ثم محمد عبده.. وبدأ الشعب يعرف حقوقه ويفيق إلى نفسه.. كانت مصر تعاني من الاحتلال الانجليزي البغيض والألعن منه ما كانوا يسمونه «الامتيازات الأجنبية» والمحاكم المختلطة.. كان أي أجنبي خاصة الانجليز ممكن أن يقتل أسرة مصرية ويحتل منزلها والمحاكم المختلطة تصدر حكمها الدائم!! غرامة عشرة جنيهات!! تعويض عن كل مصري مقتول!! ثمن المصري 10 جنيهات!! هنا بدأت التحركات السياسية بين أفراد الشعب الواحد.. لغرض واحد هو اعلان استقلال مصر وجلاء الانجليز وعمل دستور.. ظهرت القيادات السياسية بلا إعداد مسبق ولا ترتيب وتدبير.. ظهر زعيم طويل قوي مؤمن التف حوله الناس ايمانا بوطنية اسم سعد زغلول الذي قرر مفاوضة الانجليز للجلاء عن مصر واعلان استقلال البلاد.. وبدأ الجهاد بدخوله السفارة البريطانية - وما ادراك بالسفارة البريطانية في ذلك الوقت - دخل السفارة مع بعض رجاله الكبار يطالب باستقلال مصر.. ثم يسافر الى لندن يطالب باسم الشعب المصري «كله» بالجلاء عن مصر.. ثم ظهرت حكاية التوكيلات من كل الشعب هو ليتكلم سعد زغلول باسم مصر كلها. وجاءت كلمة «الوفد المصري» لوجود سعد وزملائه في انجلترا باعتبار أن سعد ورفاقه هم «الوفد» الذي أرسله الشعب الى انجلترا. وبدأت تتسع دائرة الجهاد في سبيل الاستقلال.. فظهرت قيادات سياسية أخرى رائعة لها رأي آخر وهو «لا مفاوضة مع الانجليز إلا بعد الجلاء».. ظهر مصطفى كامل ومحمد فريد وحافظ رمضان.. ظهر الحزب الوطني الذي يرفض الجلوس مع رئيس وزراء انجلترا لإملاء شروطه قبل أن يتم جلاء آخر جندي انجليزي.. وكان سبيلهم الى ذلك تقليب الرأي العام المصري والأوروبي ضد انجلترا وأصدروا الصحف لشحن الرأي العام داخليا وطافوا دول أوروبا يكتبون في صحفها ويخطبون في تجمعات مواطنيهم. ثم ظهر رأي ثالث.. كان في البداية حركة سرية «القمصان الزرق».. يقتلون الانجليز السكارى في الفجر!! ثم ظهرت قيادتهم باسم «مصر الفتاة» برئاسة الرجل الذي لم يأخذ حقه في تاريخ مصر.. ألا وهو أحمد حسين ومعه الرائع ابراهيم شكري وثالثهم محمد الزيادي ثم انضم لهم محمد المعلم «جملة اعتراضية.. هل يصدق أحد أن أبناء المعلم والزيادي هم أصحاب الشروق الآن.. ياه.. الفارق الكبير جداً».. نهاية. كان مبدأ «مصر الفتاة» هو اجبار الانجليز على الجلاء.. لا مفاوضات من أجل الجلاء ولا مفاوضات من بعد الجلاء.. لابد من قتل الانجليز. هذا هو اساس الاحزاب المصرية.. ثم مات سعد زغلول لتظهر أحزاب جديدة سببها اختلاف الرأي فيمن يخلف سعد زغلول.. كان الاتجاه القوي هو أحمد ماهر وشقيقه الذي لم تلده ألا وهو محمود فهمي النقراشي لما فعلاه من جهاد مسلح خفي هز العرش البريطاني.. وكانت تؤيد هذا الاتجاه السيدة صفية زغلول زوجة الزعيم.. ولكن الزعيم حتى حشرجة الموت كان دائما يقول: «النحاس هو سيد الناس».. كان سعد زغلول يعشق قاضياً اسمه مصطفى النحاس لاستقامته في كل شىء في عمله ودينه واخلاقه وصلابة رأيه وقوة شخصيته.. لذا اعتبرت جموع الوفديين أن سعد زغلول يريد أن يخلفه القاضي مصطفى النحاس الذي كان يستدعيه سعد حتى مع آخر نفس.. كان سعد يثق فيه بلا حدود.. لذا تم اعلان رئاسة مصطفى النحاس للوفد.. هنا انشق أحمد ماهر والنقراشي وبعض رجالهم عن الوفد وكونوا حزب «السعديين» نسبة لسعد.. حتى لا يقال إنهم انشقوا عن الوفد ومبادئ الوفد. في نفس الوقت.. كان «عمم وقمم» الوفد في الصعيد مثل محمود سليمان باشا والد محمد محمود باشا وعائلة خشبة ومحفوظ وهيكل.. وغيرهم كونوا حزبا بعيداً عن النحاس وماهر وسموه «الدستوريون» لأن البلد يحتاج لدستور أولاً ليكون مستقلاً بحق. أطلت عليكم.. وكان ممكنا أن أكتب أطول من هذا بكثير.. ولكن فقط.. أريد أن أقول إن الاحزاب لابد أن تكون في هذه الحدود.. أما هذا الكم الهائل من الأحزاب الحالية التي لا يعرف أحد عددها تهريج.. كل شلة يكونون له حزباً بأي اسم والمقر حجرة في شقة أحدهم.. تهريج لا يليق بالجمهورية الثالثة التي تعيد بناء مصر. لذا أقترح علي سيادة الرئيس أن يجمع رؤساء الأحزاب ولو ننشئ لهم قاعة كبرى لكي تسع هؤلاء قبل الانتخابات القادمة لكي يظهر «برلمان» يليق باسم مصر الحديثة.. أما 567 عضواً!! يمثلون أكثر من 200 حزب فهذا تهريج غير مقبول!!