معظم الذين يقولون بعذاب القبر استندوا فى رأيهم على بعض الآيات القرآنية، وعلى الأخبار المنسوبة فى الصحاح للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وعندما يعلن البعض إنكاره لعذاب القبر يصطف قيادات ورموز المؤسسات الدينية صفا واحدا لكي ينالوا ممن أنكر ما هو ثابت(فى رأيهم) بالضرورة، ويتهمون منكر عذاب القبر بإنكاره لما ذكره الله عز وجل فى كتابه العزيز، كما يتهمونه بالتشكيك فى سنة رسولنا الكريم، ثم يجترون من الذاكرة بعض ما علق فيها مما قرأوه أو سمعوه، وللأسف تشتعل المعركة ثم تخمد ويظل الوضع كما هو عليه، دون أن يعود أحد الفريقين إلى دراسة هذه المسألة، فكل منهما على يقين أنه يمتلك الحقيقة، ويظل السؤال على ما هو عليه: هل سنعذب فى القبر؟، وهل العذاب فى القبر وفى الآخرة؟، وهل من خطايا بعينها سوف نعذب عليها فى القبر؟، وهل العذاب فى القبر بالنار أم بالضرب والتوبيخ والفزع؟، ومن الذى يقوم بعملية التعذيب؟، هل هم زبانية جهنم أم ملائكة خلقهم الله عز وجل لهذه المهمة فقط فى القبور؟، وهل سيظل العذاب طوال فترة الموت؟، وماذا عن فروق توقيت الموت بين شخص وآخر؟، وماذا عن الذين سيتوفاهم الله قبل قيام الساعة بساعة أو بأيام؟، وهل العذاب يقع على النفس أم الجسد؟، وهل فى القبر أو فى البرزخ؟ أشهر الآيات القرآنية التى استند إليها من يقرون عذاب القبر حوالي أربع آيات، ثلاثة منها مدنية وواحدة مكية، وهى الآية 124 فى سورة طه، و46 فى غافر، و27 إبراهيم، و101 فى سورة التوبة، والذى يعود إلى كتب التفاسير لقراءة هذه الآيات، يكتشف بسهولة أنها لا تخص الإنسان المؤمن بالله عز وجل، بل تتناول الكافرين والمنافقين والمشركين، بمعنى إذا كان ظاهر نص هذه الآيات يذكر عذاب القبر لفظا وصراحة، فإن هذا العذاب حسب نص الآيات يقع على الكفار والمشركين والمنافين وليس على المؤمن بالله الغفور الرحيم. النقطة الثانية التى يخرج بها القارئ لتفسير هذه الآيات، هي اختلاف المفسرين حول الآيات، البعض قال: بالتعذيب فى القبر، والبعض الآخر قال فى الدنيا أو غير ذلك، النقطة الثالثة: إن ابن جرير الطبرى وهو(حسب أهل السنة) فقيه المفسرين، قد عرض الرأيين ، وسمى أصحاب هذه الآراء ب أهل التأويل، وبعد أن ينتهى من عرض الآراء إما يرجح أحد الرأيين أو يترك الوضع على ما هو عليه، النقطة الرابعة: إن فقيه المفسرين ابن جرير لم يكفر من لم يرجح رأيهم، كما أنه أرجع الخلاف إلى صعوبة توفير الحجة لأن المسائل من الغيبيات. على سبيل المثال فى قوله تعالى: وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم التوبة 101)، قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إن الله أخبر أنه يعذب هؤلاء الذين مردوا على النفاق مرّتين، ولم يضع لنا دليلاً نتوصل به إلى علم صفة هذين العذابين، وجائز أن يكون بعض ما ذكرنا عن القائلين ما أنبئنا عنهم، وليس عندنا علم بأيّ من ذلك». وفى قوله تعالى: النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب غافر 46)، قال ابن جرير: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أن آل فرعون يعرضون على النار غدوّاً وعشياً. وجائز أن يكون ذلك العرض على النار على نحو ما ذكرناه عن الهذيل ومن قال مثل قوله، وإن يكون كما قال قتادة، ولا خبر يوجب الحجة بأن ذلك المعنيّ به، فلا في ذلك إلا ما دلّ عليه ظاهر القرآن، وهم أنهم يعرضون على النار غدوّاً وعشياً، وأصل الغدوّ والعشيّ مصادر جعلت أوقاتاً».