علَّق الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، على ادعاءات الإعلامي إبراهيم عيسى بأنه ليس "هناك عذاب في القبر"، مشيرًا إلى أن ذلك "بدعة وضلالة". جاء ذلك خلال رد "برهامي" على السؤال الذي طرحه أحد زوار موقع "أنا السلفي"، متسائلًا: "ما هو حكم الشرع فيمن أنكر عذاب القبر ونعيمه مثل المدعو إبراهيم عيسى الذي دأب على السخرية مِن الشعائر الإسلامية والتشويش على الناس في دينهم وعقيدتهم؟ وهل يجوز تكفيره بسبب ما ادعاه مِن نفي عذاب القبر، وأنه مِن كلام فقهاء المسلمين لتخويف الناس وردعهم، وأنه لا وجود لثعبان أقرع ولا بشَعر كما قال هو ذلك، عليه مِن الله ما يستحق؟". وأجاب برهامي قائلًا: "إنكار عذاب القبر بدعة وضلالة، فإن عذاب القبر ثابت بالقرآن والسنة والإجماع". واستدل برهامي ببعض الآيات القرآنية لنفي تصريحات الإعلامي، قائلا: "إن في القرآن الكريم قال الله تعالى عن آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:46)، فدل على أن العرض على النار قبل قيام الساعة، وهذا هو عذاب القبر، وقال الله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام:93). فمن ساعة احتضارهم يُعذَّبون. (وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ): أي بالضرب والعذاب. وقوله: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ): نص قاطع أنهم يبَشَّرون بالعذاب مِن يوم احتضارهم، وليس كما ينكره الجاهل الضال، حسب وصفه. واستكمل برهامي، موضحًا أن القرآن قال عن المنافقين، (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) (التوبة:101). فالمرتين: مرة في الدنيا، ومرة في القبر، ثم يردون إلى عذاب يوم القيامة وهو العذاب العظيم، وقال الله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (النحل:28-29)، كما قال ابن كثير رحمه الله "يُخْبِرُ -تَعَالَى- عَنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ الظَّالِمِي أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ احْتِضَارِهِمْ وَمَجِيءِ الْمَلائِكَةِ إِلَيْهِمْ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ، (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) أَيْ: أَظْهَرُوا السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ وَالانْقِيَادَ قَائِلِينَ: (مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ)... قَالَ اللَّهُ مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ: (بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) أَيْ: بِئْسَ الْمَقِيلُ وَالْمَقَامُ وَالْمَكَانُ مِنْ دَارِ هَوَانٍ لِمَنْ كَانَ مُتَكَبِّرًا عَنْ آيَاتِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ رُسُلِهِ، وَهُمْ يَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ مِنْ يَوْمِ مَمَاتِهِمْ بِأَرْوَاحِهِمْ، وَيَأْتِي أَجْسَادَهُمْ فِي قُبُورِهَا مِنْ حرِّها وَسَمُومِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سَلَكَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ وَخَلَدَتْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا) كَمَا قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غَافِرٍ:46). وتابع برهامي، في استشهاده بالآيات القرآنية، إن الله قال عن قوم نوح، عليه السلام: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا) (نوح:25)، فأخبر القرآن أنهم أُدخِلوا بالفعل نارًا، وقال الله تعالى (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم:27)، عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) قَالَ: (نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ، فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، وَنَبِيِّي -مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَلِكَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) (رواه مسلم). (انظر تفسير ابن كثير). وأوضح برهامي قائلاً: "فهذه أدلة قرآنية صريحة في إثبات عذاب القبر". أما عن الأحاديث فقد استشهد برهامي بعدة أحاديث ليثبت أنه يوجد عذاب للقبر، قائلاً إن الأحاديث متواترة عند أهل العلم؛ إذ أن الأحاديث الصحيحة المرفوعة فقط رويت عن أكثر مِن ثلاثين صحابيًّا مِن طرق مختلفة عنهم عدا الموقوف والضعيف الذي لا يشك عالم أنه قد بلغ مبلغ التواتر، ومن هذه الأحاديث: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ المَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ: (يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) (متفق عليه)، وعن أنس رضي الله عنه قال: (العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الكَافِرُ -أَوِ المُنَافِقُ- فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلا الثَّقَلَيْنِ) (متفق عليه)، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَشَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) (متفق عليه)، وغير ذلك مِن الأحاديث الصحيحة الثابتة. واختتم بالقول: "الجاهل يُبَلَّغ هذه الأدلة وتُبيَّن له المسألة قبل أن يكفَّر، فإذا أصر وعاند بعد البلاغ والبيان؛ فحكم المصر المعاند معلوم في هذه الشريعة، والتكفير للمعين بعد استيفاء الشروط وانتفاع الموانع هو لأهل العلم أو القضاء الشرعي.. وجزى الله خيرًا شيخ الأزهر على قيامه بإحالة الأمر للتحقيق".