هل كل ما يبث على شاشات تليفزيونية إعلام؟ مهرجان العبث الإعلامى كارثة يجب أن تتوقف فوراً الإعلام برىء من «الردح» و«المغالطات» و«الأكاذيب» والنفاق الفج فى اتصالات هاتفية عديدة طوال الأسبوع الماضى، سألنى عدد من الصحفيات والصحفيين الشبان الرأى فى قطع بث أحد البرامج على الهوا فى إحدى الفضائيات الخاصة، وإلغاء برنامج آخر؟ وأضاف السائلون عبارة موحية فى شكل «ملحق» بالسؤال، «ألا ترى أن هذا الإجراء يكشف عن اتجاه لتقييد حرية الإعلام؟». هذا هو مضمون الأسئلة التى وجهها إلى عدد من الصحفيات والصحفيين، بل وتكاد الصياغة تكون متطابقة. أجبت السائلات والسائلين بسؤال: هل ترون أن البرامج التى تم وقف بثها تعتبر بالمعايير المهنية المحترمة نشاطاً ينتمى إلى مهنة الإعلام؟ وجاءتنى على الفور الإجابات - المتطابقة أيضاً - طبعاً هذا نشاط إعلامى، وتأكيداً لاقتناعهم بأن هذه البرامج تنتمى فعلاً إلى مهنة الإعلام تساءلوا باستنكار ألا تذاع هذه البرامج على فضائيات؟ ليست إعلاماً.. وليسوا إعلاميين هذه التساؤلات حفزتنى للتعرض لموضوع طالما شغلنى، بل وكنت قد بدأت التخطيط لإصدار كتاب يتناول الموضوع تفصيلاً، وهو هل نستطيع أن نعتبر - بضمير مهنى - كل ما يبث على شاشات تليفزيونية فضائية كانت أو أرضية «نشاطاً إعلامياً»؟! ودعونى هنا - قبل أن أبدأ مناقشة موضوعية تستند إلى المعايير العلمية لفنون وعلوم الإعلام، - أسجل بعض التساؤلات التى قد يعتبرها البعض صادمة، لأنها نماذج تكشف بوضوح حتى لغير المتخصصين أن العديد من الشاشات التليفزيونية لا يمكن بأى صورة من الصور أن تنتسب إلى مهنة الإعلام من قريب أو بعيد. 1 - هل تنتمى القنوات التى تبث أفلام الجنس الصريح إلى القنوات الإعلامية؟! أم أن الأمانة العلمية تحتم أن نصفها بأنها «مواخير على الهوا»؟ 2 - وهل يمكن أن نصف القنوات التى تبث الرقص وتتخير المشاهد الأكثر إثارة بأنها قنوات إعلامية، أم أن الوصف الصحيح لها أنها «كباريهات على الهوا»؟! 3 - فإذا انتقلنا من هذه النماذج الصارخة إلى نماذج غير مبتذلة وتقدم مادة محترمة أو خدمات مقبولة مثل قنوات التسوق عبر التليفزيون فهل نعتبر ما تقدمه «خطاباً إعلامياً؟» أم أنها مجرد «أسواق على الهوا»؟ 4 - القنوات التى يمكن بسهولة تصنيفها كقنوات لا علاقة لها بالإعلام كمهنة يتجاوز عددها المئات مثل قنوات الترويج للأعشاب التى تشفى كل الأمراض، وقنوات العلاج بالقرآن، وتفسير الأحلام وغيرها كثير. قنوات مختلطة سيحاول كثيرون القول إن الأمثلة التى ذكرتها تختلف تماماً عن القنوات التى كانت البرامج التى تم إيقافها تذاع على شاشاتها، وهذا منطق مقبول بشرط أن نتفق على تقييم كل مادة تقدمها هذه القنوات بمعايير مهنية وبموضوعية لنرى إن كانت هذه المواد «البرامج» تنتمى فعلاً إلى مهنة الإعلام أم لا؟ ونقوم بفرز علمى أمين يحدد ما هو إعلامى من هذه المواد، وننسب المواد «البرامج» التى لا تنتسب - بالمعايير العلمية والموضوعية - إلى «الإعلام»، تنسب هذه المواد إلى «نوعية» النشاط الذى تنتمى إليه. وسنجد أن كثيراً من هذه البرامج - وبعضها يقدمه من يصفون كنجوم إعلام - تنتمى إلى ألوان أخرى من النشاط مثل البلطجة، والنميمة والابتزاز والردح وغير ذلك من الأنشطة المماثلة. وقد أحدث هذا الخلط بين المواد والبرامج التى تنتسب إلى الإعلام وتلك التى تنتسب إلى ألوان أخرى من النشاط الذى لا صلة له بالإعلام، هذا الخلط على شاشات القنوات منح تلك الشاشات فرصة لمحاولة إكساب هذه المواد الشاذة - من وجهة نظر الإعلام - صفة «المادة الإعلامية» وبالتالى تستفيد من مظلة الحماية التى يوفرها الدستور والقوانين للمادة الإعلامية، وفى هذه الحالة يتم استنفار القوى الوطنية المحترمة المدافعة بحق عن «حرية الإعلام» لتدافع عن هذه المواد التى لا علاقة لها بالإعلام. استمرار العبث الإعلامى مسئولية القيادة السياسية هذه الحالة العبثية التى يعانى منها الإعلام المصرى الرسمى والخاص معاً تتحمل مسئوليتها بالكامل مؤسسات الدولة التى تملك إصدار التشريعات المنظمة لمهنة الإعلام والتى تضمن الدستور مواد واضحة عن هيئات ومجالس لتنظيم الإعلام ولكنها - أى هذه المواد الدستورية - معطلة حتى تصدر المؤسسة التشريعية القوانين المكملة لهذه المواد الدستورية. من جانبهم، فقد بذلت المؤسسات غير الحكومية المعنية بشئون الإعلام عامة وبالدفاع عن حرية الإعلام خاصة هذه المؤسسات بذلت جهوداً جادة لوضع تصورات عملية لتفعيل مواد الدستور بإعداد مشروعات القوانين المكملة للدستور فى مجال تنظيم الإعلام بكل صوره ووسائله المطبوع والمسموع والمرئى والإلكترونى. الكرة فى ملعب السلطة التنفيذية خاصة رئاسة الجمهورية التى تملك - فى غيبة البرلمان - إصدار مراسيم بقوانين. وهنا تحتم علىّ الأمانة أن أشيرا إلى محاذير يمكن إذا تجاهلناها أن تكون النتائج كارثية. أولاً: تطرح على الساحة عشرات المشروعات للقوانين المقترحة، وبعض من يتبنى هذه المشروعات يؤكد أن صلته الشخصية برئيس الحكومة صلة قوية وأنه كفيل بتمرير مشروع القانون الذى يتبناه والساحة مليئة بتسريبات تتحدث عن شخصيات واصلة ستفرض وجهة نظرها. وأعتقد أن قضايا الإعلام قضايا بالغة الخطورة على حاضر ومستقبل الوطن وتحتاج إلى تحرك السلطة التنفيذية تحركاً سريعاً، وفى الوقت نفسه تحركاً لا يتقيد بمدى قرب أو بعد البعض من قيادات هذه السلطة. وفى هذا السياق، أعتقد أن تشكيل لجنة أو مفوضية لدراسة مختلف المشاريع المطروحة على الساحة هو الوسيلة الناجعة لاختيار أفضل الرؤى والمقترحات. ثانياً: سيحدد تشكيل المجالس المعنية بتنظيم الإعلام سواء فيما يتعلق باختيار الشخصيات أو تحديد الصلاحيات، هذا كله سيحدد مدى ثقة الجماهير فى هذه المجالس والهيئات، فإذا كان الاختيار لمن أثبت تاريخه قدراته العلمية ونزاهته الخلقية اكتسبت هذه المجالس من اللحظة الأولى قوة دفع هائلة تمكنها من أداء مهمتها على الوجه الأكمل. أما إذا جاء الاختيار بمن تؤكد ممارساته وتاريخه أنه ممن يتلطخ تاريخهم وسلوكهم بأى صورة من صور الفساد أو كان ممن ذاعت شهرتهم كرموز للنفاق، فسوف تفقد هذه الهيئات والمجالس أهم العناصر الضامنة للنجاح وهى «ثقة الجماعة الإعلامية» وثقة الجماهير.