لفت انتباهي خلال الفترة الأخيرة اهتمام اعلامى بمناقشة مسالة التجديد فى الخطاب والفكر الاسلامى ، وقد شاهدنا وتابعنا عبر شاشات التلفزة ما طرحته بعض برامج "التوك شو" فى حوارات تلفزيونية مع رجال الأزهر حول إصلاح مناهج التربية والتعليم بالأزهر ، وهو فى الواقع موضوع قديم ويندرج تحت عنوان " التجديد فى الفكر الاسلامى بين التقليد والمعاصرة" ، وقد حظى هذا الموضوع باهتمام كبير لدى المفكرين على مختلف العصور، ومن ثم فان إعادة طرحه ليس بأمر جديد وإنما هو أمر طبيعى تحتمه ضرورة مواكبة الفكر الدينى للعصر . وعلى الرغم مما شاهدناه من جدل جامد وتطاول من بعض المنتسبين إلى الأزهر على كبار رجاله ، ما يعد خروجاً على القيم والتقاليد المتوارثة والمتعارف عليه فى احترام العلماء وإجلالهم ، بعد الخوض فى تفاصيل ذكرت فى كتب الفقه من أمور أو مغالطات تحتاج إلى إعادة نظر وتستوجب بالضرورة مراجعة لمناهج الأزهر الدراسية وكتب التراث الدينى، ليتحول الحوار إلى فرصة لإشباع رغبة البعض فى الظهور بطرح مسائل لا طائل ولا فائدة للمجتمع منها سوى التشكيك والبلبلة،وكان الأولى بالحريص على المصلحة العامة أن يتقدم إلى دار الإفتاء والأزهر وأهل التخصص لبحث الأمر من دون إثارة الراى العام . والأمر كما ذكرت ليس بجديد ، فهذا الموضوع يثير فى ذهن الكثير من المتخصصين والمثقفين ما طرحه المفكر الاسلامى المصرى الشيخ " محمد عبده " حول موضوع " الإسلام والمعاصرة "، فبرغم ما تعرض له من نقد ، إلا أن الرجل أرسى قواعد وأسس فكرية هامة فى ذلك الموضوع ، فقدم رؤى فكرية هامة حول ضرورة تحرير الفكر الدينى من التقليد ، وفهم الدين على نهج سلف الأمة ، فالإسلام جعل العقل أفضل القوى الإنسانية وخلصه من كل تقليد ورده إلى مملكته يقضى بحكمه وحكمته . ومن ثم فهناك ضرورة للرجوع إلى الأصول ، وتحقيق التواؤم بين الإسلام ومتطلبات العصر ، فالإصلاح الدينى لابد أن يقوم على تحرير الفكر من قيد التقليد بحيث لا يخضع العقل إلا لسلطان البرهان، و الرجوع فى فهم الدين إلى منابعه الأولى على طريق السلف الصالح. إن الإصلاح الدينى والتربوي مطلب سابق للازدهار والإصلاح السياسي ، فإصلاح مناهج التعليم بالأزهر هو ضرورة حتمية مع تزايد حالات التطرف والإلحاد والمرضى النفسيين التى تستند إلى نصوص غير مؤكدة وتفسيرات خاطئة للدين، وهذا الإصلاح الدينى والتربوي هو مهمة ومسئولية أهل الاختصاص من كبار علماء الدين. كما أن قضية العلاقة بين الدولة والدين التى أغرقت المتعصبين فى تفاصيلها ، لا تزال تثير جدلاً أكثر مما ينبغى، فالإسلام لم يعرف الدولة الثيوقراطية ولا السلطة الدينية ، و لم يعرف هيئة دينية ذات سلطة هيراركية كتلك التى كانت سائدة فى أوربا فى العصور الوسطي ، فالأمة مصدر السلطات ، وسلطة الحاكم هى سلطة مدنية دنيوية وليست دينية . وعلى أية حال ، سوف تظل مسألة التجديد فى الفكر الاسلامى مسألة مطروحة فى كل عصر وذلك بفعل التطور الانسانى والعلمى ، وهذا يتطلب من المفكرين والمجددين والفقهاء أن يبحثوا ويجتهدوا فى التجديد الدينى وان يقدموا الدين فى صورة تمنع التطرف والعنف بإزالة اللبس والفهم الخاطىء للدين ، وتجديد الخطاب الدينى مع مراعاة الثوابت الدينية ،و القراءة المتخصصة والعصرية فى القضايا التى لاتزال مثار جدل مثل الخلافة والشريعة. عضو المكتب الفنى لوزير التجارة و الصناعة