من الصعوبة حصر أعداد برامج التوك شو في مصر، تلك التي تتكاثر دوما رغم تكلفتها العالية وتتسابق جميعا على كعكة الجمهور؛ ورغم ارتفاع سقف الحرية بعد الثورة يحذر خبراء إعلام تحدثوا ل"بوابة الوفد الإلكترونية" من أن مهنية تلك البرامج لاتزال على المحك، ويحتاج جهاز ماسبيرو العملاق لثورة جديدة حتى يقدم لك "عزيزي المشاهد" خبرا صادقا حرا، لا يضرب مقدمه أخماس وأسداس قبل أن ينطق به .. فيقول الكاتب أيمن الصياد رئيس تحرير مجلة "وجهات نظر" إن برامج التوك شو انتزعت قدرا من الحرية وبشكل أخص القنوات الفضائية الخاصة، ولكن ماسبيرو كغيره من مؤسسات الدولة وصلته نسائم الثورة التي تمثلت في اختيار الضيوف والموضوعات، لكن التغيير غير كافٍ فهو لم يطل بنية تلك المؤسسات من الداخل ولاتزال لدينا ثقافة الرقيب الذاتي الذي يمنع الإعلامي من قول الحقائق كاملة، ولدينا إقصاء للرأي الآخر بدرجات متفاوتة وعدم موضوعية في طرح القضايا بكافة أبعادها، ولا تزال هناك تعليمات بأسماء لا ينبغي إظهارها على الشاشات. ولا يرفض الصياد فكرة ميثاق شرف لبرامج التوك شو والتي ترددت أقاويل عنها مؤخرا، وقيل إنها تسعى لضمان حد أدنى من المصداقية والمهنية، لكن الشيطان - كما يرى- يكمن في التفاصيل، وبسهولة يمكن أن يتحول هذا الميثاق لوسيلة تقييد جديدة على الفضائيات المختلفة يمنعها من التعبير عن كافة الاتجاهات السياسية. كما يعتبر الكاتب أن ماسبيرو يحتاج ل"التنظيم والتنظيف" فهو كيان ضخم يضم 43 ألف موظف ومليء بالقنوات الرسمية بغير مبرر واضح، ولكي نحصل على إعلام متميز علينا ببساطة أن نأتي بمهنيين ونرفع عنهم سيف الرقابة، لأن الرقابة مهما ارتدت أزياء براقة مثل "الحفاظ على الأمن القومي والمسئولية" فهي مُفسدة للإعلام ولحق المواطن في المعلومة الصادقة، وفي الحقيقة لا يوجد خبر جيد لأنه يشحذ الهمم ويرضي الجمهور، ولكن الخبر الجيد هو الخبر الصادق فقط أيا كانت ردود الأفعال بشأنه . تردي مزاج المتلقي وفي نظرة أقرب لمضامين برامج التوك شو، اعتبر الصياد أن معظمها سطحي يعالج القضايا بتسرع، وهي مسئولة عن تردي مزاج المتلقي المصري، وتشاركها في ذلك أغلب الصحف اليومية، فكل مقدم برنامج يريد أن يسأل ضيوفه بشكل عاجل عن قضايا الساعة يوميا وهنا نبتعد بالمشاهد عن ثقافة التمعن والتعمق في الحكم على الأمور، ونتحول بالتدريج لمقاهٍ شعبية للدردشة وليس الإعلام الحقيقي . ويتفق الخبير مع دفاع كل فضائية عن رؤية ومصالح مالكها، ولا يجد في ذلك أي غضاضة، لأن المتلقي لا يفترض فيه التصديق على كل ما يراه ويسمعه، ولابد أن يعمل عقله، وعليه أن يعلم أن الفضائيات عموما ليست وسيلة لتكوين وجهة نظر متماسكة حول الأحداث، بل يجب التأكد من خلال البحث الشخصي عن الحقائق، وهو السبب الذي جعل الجمهور ينصرف عن تلك الفضائيات التي تنكرت لحقيقة الثورة بالشارع يناير وفبراير الماضيين . الجمهور أيضا يخطئ إذا وضع أولوياته من الفضائيات، فبرامج التوك شو استطاعت أن تقدم قضية الدستور أم الانتخابات أولا قضية حاسمة ومصيرية، بينما هي ليست كذلك، والأولى منها فكرة بناء مصر بشكل يضمن عدم عودة النظام القديم والاستبداد بالحكم ويسمح بتداول السلطة وشفافية صندوق الانتخابات. تراجع المهنية واعتبر الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز أن القنوات الخاصة وبرامج التوك شو لعبت قبل الثورة دور المعارضة الحقيقية الموجعة أحيانا للنظام، واستطاعت بلورة الرأي العام في هذا الاتجاه، وفي خلال أحداث الثورة وجدنا بعض البرامج والمحطات تقوم بالتعتيم والإنكار للثورة، ثم وجدنا برامج تبث الذعر في الجمهور وترهبهم مما يجري بالبلاد من بلطجة وما شابه، ومع سقوط النظام بدأت مرحلة غسل الأيدي وركوب موجة الثورة . وبعد الثورة نجد أن بعض القنوات احتفظت بقدر من الاعتبارات المهنية، والآخر أفرط في شعبيته وارتكب مخالفات صارخة بهدف سياسي أو لأغراض الرواج والانتشار، والكل عموما استفاد من ارتفاع سقف الحرية ونشاهد ذلك بوضوح في اختلاف مضامين برامج التوك شو الرسمية، لكن المشكلة أن سقف الحرية تم اختصاره في استضافة مصادر محظورة من قبل، ولم يتواكب معه ارتفاع مهني . وعن أبرز المخالفات التي نشاهدها اليوم في برامج التوك شو سنجد منها المشاجرات وتبادل السباب، وتقديم سيل من المعلومات المجهولة المصدر، وتقديم مقدم البرنامج رأيه كحقيقة موضوعية، أو عدم احترام التخصص كأن نجد مقدم برنامج رياضي يدلي بدلوه في النقاشات السياسية الدائرة، أو مقدم يتلاسن المقدم فيها مع ضيفه حتى يضطر الأخير للانسحاب على الهواء !! وقال عبدالعزيز: "عندي مؤشرات تدعو للقلق من تدخل بعض أصحاب الفضائيات لتوجيه برامج توك شو مؤثرة، وعندي قلق آخر من أن بعض الأموال التي تنفق على صناعة الإعلام لها أجندات سياسية غير بريئة وبعضه قادم من الخارج وأحيانا غير معلوم المصدر؛ وهناك مؤشر يدعو للتساؤل وهو أن القنوات الفضائية التي تم الترخيص لها في 5 شهور يماثل تلك التي تم الترخيص لها في 15 عاما، ومعظم برامج التوك شو متشابهة في مضامينها وتريد اتخاذ فقط نقطة ارتكاز سياسية في الواقع المصري الراهن وهو وضع يحتاج لمراجعة" . حلبة المنافسة محمد عبدالرحمن الصحفي ورئيس تحرير صفحة "ماد توك شو مصر" أشار إلى إحصائية أعدتها الصفحة الإعلامية على فيس بوك والتي تقول بأن المصريين يشاهدون 36 ساعة توك شو يوميا، وأن تلك البرامج تتزايد يوما بعد يوم. وجاء بالاستطلاع الأخير للصفحة أن برنامج "آخر كلام" ليسري فودة على قناة "أو تي في" في المرتبة الأولى، يليه برنامج "في الميدان" تقديم كل من ابراهيم عيسى وبلال فضل وعمرو الليثي ومحمود سعد على قناة "التحرير"، وفي المرتبة الثالثة برنامج "العاشرة مساء" لمنى الشاذلي على قناة "دريم"، يليه برنامج "القاهرة اليوم" لعمرو أديب، و"بلدنا بالمصري" لريم ماجد، و"الحياة اليوم" لشريف عامر ولبنى عسل، على الترتيب . ويتفق عبدالرحمن مع آراء الخبراء الإعلاميين في أن انتشار برامج التوك شو لم يصاحبه جودة في المضمون، بل ظهرت برامج متشابهة إلى حد التطابق أحيانا، وهنا يثور التساؤل: "إذا كان أجر أحد مقدمي تلك البرامج تعدى ال15 مليون جنيه، فكيف سيستمر تمويل تلك البرامج بكل ما تكلفه من استضافة ضيوف ومستلزمات إنتاج وبث، في حين يتراجع المعلنون عن ضخ الأموال بعد الثورة بشكل واضح !؟" . وربما من المتوقع أن يتقلص قريبا عدد برامج التوك شو، ولا يظهر المقدمون بشكل يومي في البرامج التي ستستمر، ولكن على الجانب الآخر نرى أن مسألة السعي لاجتذاب الجمهور جعلت معظم برامج التوك شو تميل للمواد المثيرة بغض النظر عن قيمتها. يضاف لما سبق فكرة تكرار الضيوف في برامج التوك شو خلافا لتكرار المضامين بالطبع، لكن هناك نماذج لإعلاميين يستطيعون اختيار الضيوف الملائمين وليس المشاهير فقط، ومنهم يسري فودة. وأخيرا يراهن عبدالرحمن على الجمهور الذي باتت قدرته على فهم توجهات البرامج عالية للغاية بعد الثورة، فهو يشاهد البرنامج الذي يتجاهل الميدان ومن يجول بالكاميرا وسط الشباب الثوار ويقترب من مطالبهم ويتضامن معها، وربما ذلك هو الأقرب لثقة الشارع كما يبدو من استطلاعات الرأي.