لعل «بنك الأفكار الشعبي» هو أحد أهم المشروعات القومية التي تحتاج إليها مصر في هذه المرحلة حيث يمكن – بل يجب – علي كل المصريين باختلاف ثقافاتهم وأعمارهم وتنوع انتماءاتهم السياسية وأيديولوجياتهم، أن يودعوا هذا البنك ملايين الأفكار التي مهما بدا معظمها سطحيا ساذجا أو قديماً مستهلكاً إلا أن النسبة البسيطة المتبقية من هذه الأفكار ربما كان في الإمكان الاستفادة منه وترجمته إلي واقع تنفيذي يساهم في حل الكثير من مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في أسرع وقت وبأقل تكاليف بل ربما من غير تكاليف علي الإطلاق كما هو الحال مع هذه الفكرة التي أتشرف بطرحها اليوم علي صفحات «الوفد» بيت الأمة. ربما ما زلنا جميعاً نتذكر معارض الآثار المصرية التي طافت العالم وحققت في مجملها نجاحات هائلة غطت علي السلبيات غير القليلة التي صاحبت التجربة 00 الفكرة – باختصار شديد – ماهي إلا امتداد وتطوير لهذه المعارض حيث تزدحم عشرات – وربما مئات – المخازن البدائية التابعة لوزارة الآثار علي امتداد كل المحافظات المصرية بمئات الألوف من القطع الآثرية بدءاً من متناهية الصغر في الحجم مثل التمائم و«الاوشبتيات» وصولاً إلي التوابيت والجداريات والتماثيل الحجرية الكبيرة مروراً بكافة الأشكال والأنواع والأوزان وبعيداً عن التكذيبات الحكومية المسبقة وردود الموظفين المتعارف عليها المؤكدة أن كل شيء «تمام» ، فإنه لا يمضي شهر بل اسبوع واحد دون أن تفقد مصر غير قليل من هذه القطع إما بالتلف والتحطيم أو الضياع والسرقة وهو أمر طبيعي وحتمي في ظل تواضع – بل تدني – الإمكانات المادية والتقنية المتاحة لوزارة الآثار وضعف الثقافة الأثرية لدي الجمهور مع التراجع الأمني والأخلاقي اللذين ليس من المصلحة إنكارهما أو التقليل من شأنهما. تتلخص الفكرة – الحلم في انتقاء ما لا يزيد على 20% فقط من هذه الكنوز الأثرية المكدسة – وجميعها مكررات - وتقسيمه بشكل مبدئي علي 30 مجموعة تضم كل منها في حدود الفي قطعة تغطي جميع الحقب التاريخية المصرية بدءاً من الدولة القديمة وحتي العصر اليوناني – الروماني مع تنحية العصور اللاحقة وهي القبطي والاسلامي لاستغلالهما في مشروع منفصل نخاطب فيه إثيوبيا والخليج العربي والعالم الإسلامي بشكل وهدف منفصلين. بالتوازي مع هذا الانتقاء والتصنيف يتم إجراء مباحثات واتفاقات ثقافية دولية مع دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واستراليا واليابان أو حتي عقد مزايدة عالمية تقدم مصر بمقتضاها هذه المجموعات الأثرية في صورة منح ثقافية تتمتع وتنتفع بها هذه الدول لمدة عشر سنوات مقابل مبالغ مالية «معقولة» اقدرها – مبدئيا – بمائة مليون يورو عن كل مجموعة يتم دفعها علي أقساط خلال السنوات العشر وبإجمالي يصل إلي ما يوازي 30 مليار جنيه مصري لن تدفع منها مصر جنيهاً واحداً حيث تتولي الدول المضيفة لآثارنا النقل والتأمين وتجهيز المباني المتحفية علي أن يتم كل هذا تحت مظلة قانونية دولية وشبكة تأمينات محكمة يشرف عليهما – المظلة والشبكة – عتاولة مصر وفخرها من فقهاء القانون الدولي والخبراء التأمينيين وعلماء الآثار وتوظيفهم جميعاً في هذا المشروع العملاق الذي يمكن أن يتطور ليشمل تبادل المتاحف الثلاثين لهذه المجموعات كل عام او عامين حتي تضمن الدول المستضيفة إقبالاً جماهيرياً علي زيارة المجموعات المتغيرة والمتجددة وهو يضمن في المقابل إيرادات عالية تغطي كافة التكاليف بل تحقق ارباحا لهذه الدول بخلاف المكاسب الثقافية. يمكن للفكرة ان تتطور وتأخذ مناحي إضافية منها – مثلا – أن يكون المتحف نواة لمشروع قرية فرعونية ثقافية في أهم مدن أوروبا تشبه – مع التعديل والتطوير – قرية الدكتور حسن رجب الواقعة علي نيل المنيب وهو ما سوف يضاعف الايرادات المالية والثقافية لمصر مع التذكرة بأن عوائد المشروع – المتحف بمفرده أو القرية – لا يتوقف عند حدود المال فقط بل سيكون من نتائجه.. تضاعف الاقبال السياحي علي مصر والتنشيط غير العادي للعاملين في المتاحف ووزارة الآثار وشركات التأمين والبنوك والسفن الملاحية وغيرها. لاشك أن العديد من الاعتراضات المبدئية التي سوف تثار له وجاهته بل له تاريخه مع معارض الآثار السابقة ومعظمها يتعلق بتلف أو سرقة بعض القطع واحتمالات تغيير بعضها الآخر وهي امور لايمكن لعاقل أن ينكرها أو ينفيها ولكن يمكن لكل عاقل ان ينزل باحتمالات تكرارها الي أقل نسبة ممكنة وسوف تكون – في رأيي المتواضع – أقل وبكثير من حجم السرقات والتلفيات الحالية وكنوزنا مكدسة في المخازن او العراء وعموماً فكلها امور مطروحة للنقاش امام رجالي الأمن والآثار والقانون قبل طلب صدور تصديق من رئيس الجمهورية علي خروج أي قطعة أثرية خارج البلاد. قد تكون الفكرة ساذجة وغير قابلة للتطبيق الواقعي ولكنها في المقابل قد تكون قابلة للبحث والدراسة اللذين يخرجان بها من الحيز الضيق للأفكار إلي العالم الرحب للواقع والتطبيق وفي الحالتين فإنني اعرض الفكرة علي الرئيس السيسي والمهندس محلب ليحيلاها إلي المستشارين المتخصصين كما اعرضها – بإفراط في التواضع – علي مائدة النقاش المجتمعي لعل.. وعسي.