«العاصمة البديلة».. مشروع استراتيجي وحيوي من شأنه إحداث نقلة في التوزيع السكاني والاقتصادي بشكل متوازن بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية، لتكون مقراً لقصر الرئاسة والوزارات والهيئات والسفارات الأجنبية، خاصة أن القاهرة العاصمة تعاني من مشاكل كثيرة وعدد سكانها 15 مليوناً من إجمالي عدد سكان مصر الذي بلغ في 95 مليون نسمة، فضلاً عن 5 ملايين زائر يومياً لقضاء مصالحهم، مما يجعل العاصمة مخنوقة طوال اليوم. الواقع يقول إن العاصمة البديلة فكرة قديمة حاول الرؤساء السابقون تنفيذها، حيث تم الإعداد لها في سبعينيات القرن الماضي بداية من أواخر عهد الرئيس الراحل أنور السادات لكن المشروع توقف بعد وفاته. وأيضاً لم يكتمل تطبيق المشروع في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك بحجة حاجة المواطنين لبناء مبان سكنية بمختلف المحافظات، وأخيراً أعيدت طرح الفكرة خلال العام الحالي بناءً علي قرار رئيس الوزراء الحالي إبراهيم محلب بإنشاء عاصمة إدارية جديدة علي طريق السويس لنقل الوزارات إليها. الدكتورة كاميليا شكري، مساعد رئيس حزب الوفد عميد معهد الدراسات السياسية، عضو الهيئة العليا بحزب الوفد، وصفت الفكرة بالجيدة، ولكنها شددت علي ضرورة إعداد تصور نهائي للعاصمة الجديدة، مؤكدة علي ضرورة أن تتضمن كل الوزارات والهيئات الخدمية داخل العاصمة القديمة، ومباني سكنية وخدمات وفيرة لتسكين العاملين بالمصالح الحكومية، وذلك حتي يمكن القضاء علي مشكلة الازدحام والاختناق المروري داخل القاهرة، وعلي أن تبتعد عن العاصمة القديمة ب 200 كيلو علي الأقل، بما يسمح بجذب المزيد من الاستثمارات للمناطق الصحراوية الجديدة ، وهو ما يتطلب إعداد الخطط المتكاملة اللازمة لإقامة مشروعات تجارية وسياحية في العاصمة الجديدة. 4 إيجابيات المهندس حسين منصور، الاستشاري المدني، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، يري أن طرح الفكرة جيد في حد ذاته، وتنفيذها ليس مستحيلاً، فقد تم عرضه في نهاية عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ولكن القيادة السياسية آنذاك لم تكن جاهزة للتنفيذ، بينما القرار علي رأس أولويات النظام الحالي.. وقال: علي المسئولين المزيد من التمهل والدراسات، مع الحرص علي امتلاك العاصمة الجديدة المقومات الجوهرية للعاصمة العصرية، لنقل معظم الوزارات والمصالح الحكومية لها، وهذا يتطلب توافر الإرادة السياسية الحقيقية من النظام القائم. وأضاف قبل التحدث عن طبيعة المكان التي ستقام عليه العاصمة البديلة وكيفية ووقت التنفيذ، مع ضرورة وضع خطة واضحة للمشروع، ومدة زمنية واجب الالتزام بها، أشبه بتجارب الدول العالمية مثل أمريكا والبرازيل وكندا، ولكن هذا لا ينفي وجود عدد من الصعوبات المالية التي ربما تكون المعضلة الأكبر التي تواجه تنفيذ الفكرة. وواصل: هناك إيجابيات لهذه الفكرة أولاً الإسهام في تخفيف حدة الزحام والاختناق المروري والتكدس السكاني بالقاهرة، بالإضافة إلي مواجهة الأثر الموحش للعشوائيات التي تمتد كالسرطان في جسد العاصمة، بما يهدد بوقوع كارثة حقيقية، وثانياً اختيار منطقة السويس مكاناً مناسباً ومختاراً بعناية فائقة ويبعد بالفعل عن القاهرة ويمكن نقل المصانع والصناعات الملوثة إليها، مع أهمية إنشاء المرافق ووسائل الجذب اللازمة لتسكين العاملين في الهيئات والوزارات الحكومية المنقولة هناك، وثالثاً تخفيف وطأة المركزية الشديدة التي تعاني منها مصر علي مدي عصور قديمة، ورابعاً إمكانية ضخ استثمارات جديدة لخدمة التنمية، مما يساهم في دفع عجلة الانتاج وتوفير فرص لتشغيل المتعطلين. وشدد المهندس حسين منصور علي ضرورة إنشاء أقاليم تنموية جديدة بالتوازي مع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وذلك للحد من هجرة السكان من الريف للحضر، ويتطلب ذلك تطبيق اللامركزية وجذب استثمارات حقيقية للمناطق الصحراوية التي يجب تنميتها في الفترة القادمة. فكرة قديمة عبدالغفار شكر، نائب رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، قال: إن قرار الحكومة بإقامة عاصمة إدارية فكرة جيدة، ليست جديدة، بل سبق طرحها في عهد الرئيس الراحل أنور السادات في مدينة السادات بالقرب من محافظة المنوفية لكن المشروع توقف بمجرد وفاته، وفي عهد المخلوع حسني مبارك أيضاً أعلن عن إقامة مشروع العاصمة الجديدة ثم تراجع بدعوي حاجة المواطنين لتوفير المساكن والخدمات والمرافق، مؤكداً علي أهمية هذا القرار لتخفيف الزحام والاختناق المروري في القاهرة والذي أصبح كابوساً يؤرق المصريين، وأتمني أن ينجح ولا يبوء بالفشل كما حدث من قبل مع مدينة السادات والقرية الذكية. وعن توقيت صدور القرار، يقول «شكر»: إن إنشاء هذه المدينة سيساعد علي توفير الطاقة، والقضاء علي تلوث الهواء والأتربة، وتقليص الزحام، وتسهيل حركة المرور داخل القاهرة. داعياً إلي أهمية التخطيط الجيد للعاصمة الجديدة علي أحدث طراز عالمي، لكي يصبح مجتمعاً عمرانياً جديداً يرتكز علي النشاطين الصناعي والزراعي بجانب التوطين السكاني، وتشغل موقعاً وسطاً بين القاهرةوالإسكندرية، ومن ثم يمكن تأدية الأعمال بالكفاءة المطلوبة، وهو ما سيحل مشاكل القاهرة، وبالتالي تتخلص القاهرة الكبري من كل مشاكلها، لتلاشي أزمات الازدحام والكثافة السكانية، باختيار مكان حيوي مثل السويس. وأشار رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إلي أننا بصدد إعادة بناء الدولة المصرية مما يتطلب إعادة الرؤي التخطيطية للمشاريع المستقبلية داخل المحافظات وهي جزء من عملية تنظيم إداري جديد لتلك الأماكن، متوقعاً أن يأخذ هذا المشروع مدة تتراوح من سنتين إلي 3 سنوات لكي نستطيع النهوض بالوطن، وهو ما ينعكس إيجابياً في ترشيد دعم الطاقة.. وخلافه، وعلي أي حال، هناك دول كثيرة فعلت ذلك وكانت النتيجة جيدة ومنها التجربة البرازيلية في بناء عاصمة جديدة خلال بضع سنوات فقط، فأنشئت العاصمة «برازيليا» عام 1960 في المنطقة الغربية وذلك لتسهيل حركة الاتصال بين العاصمة وباقي المدن، وهي تجربة ماثلة بين أيدينا يمكننا الاستفادة في محاولة بناء عاصمة جديدة لمصر بديلة عن مدينة القاهرة التي أصبحت واحدة من أكثر عواصم العالم معاناة من مشاكل يصعب علاجها، كالازدحام المروري وأزمة الاسكان والتلوث. ضرورة حتمية.. ولكن عباس الطرابيلي، الكاتب الكبير، قال: أؤيد حتمية إنشاء عاصمة جديدة، بعد أن عجزنا عن حل كل مشاكل القاهرة، ولكن قبل أن نجري وراء الأفكار البراقة.. علينا أن نحسب بالضبط ما هو تحت أيدينا من إمكانيات وأن نحدد وقت تنفيذ الصالح منها، وسنعلم أنه «مش وقته»، فمصر تمد يدها للأشقاء، وتحاول شد مساهمات رجال الأعمال لإنقاذ الاقتصاد، و«إنعاش» الجسد المصري، بينما إنشاء مثل هذه العاصمة يزيد من مشاكل هذا الجسد، والأفضل أن نوجه ما سوف تتكلفه عملية إنشاء هذه العاصمة إلي ما هو أكثر إلحاحاً، أي نعمل وفق الأولويات. وأضاف: إذا كان بعض المسئولين يرون أن إنشاء هذه العاصمة سيتكلف 50 مليار جنيه، فإنني أري أن التكاليف سوف تتجاوز 500 مليار جنيه، فهل مصر مستعدة لتدبير هذه الأموال؟ وتابع: إن عاصمة جديدة علي بعد يقل عن 200 كيلو متر ليس مجدياً، لأن العاملين فيها سوف يستمرون في حياتهم السابقة، ثم يتحركون ذهاباً وعودة إلي موقع عملهم في العاصمة الجديدة، وإلا فسوف تصبح العاصمة الجديدة بعد سنوات قليلة جزءاً من العاصمة القديمة، وأمامنا تجربة كل عواصم مصر الإسلامية: الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة الفاطمية كلها أصبحت كتلة واحدة، أي مدينة واحدة، وأيضاً عواصم مصر الفرعونية، كان الفرعون إذا شاء بناء عاصمة جديدة حدد موقعها علي بعد مئات الكيلو مترات، وأمامنا «منف» وهي أول عاصمة مركزية مصرية وهي الآن عند البدرشين والحوامدية، ثم مدينة طيبة «الأقصر حالياً»، بينهما ما يقرب من 900 كيلو متر، ثم باقي العواصم، فإخناتون عندما أراد أن يهرب بدينه من تجبر كهنة طيبة أنشأ عاصمة «أخيتاتون» الآن عند تل العمارنة في محافظة المنيا، ثم نري عاصمة أخري في الشرقية بعيداً عن كل العواصم السابقة، حتي الإسكندرية البطلمية كانت بعيدة عن كل عواصم مصر السابقة. وقال: إذا كان الهدف هو تخفيف ازدحام القاهرة بنقل الوزارات خارجها، الذي تفكر في تنفيذه الحكومة فلن ينجح هذا التصور، لأن الوزارات بشر، ناس، ليسوا فقط من يأتون إليها من مختلف المحافظات لتسيير أمورهم وحل مشاكلهم.. فهؤلاء يأتون، ثم يعودون إلي حيث جاءوا، ولكن الوزارات أيضاً تضم الموظفين من أعلي السلم الوظيفي أي من درجة الوزير إلي آخر السلم، عند القاع، أي جيش السعاة، والإداريين الصغار، فالمدينة - والعاصمة - ليست مجرد مبان إدارية، بل هي حياة متكاملة ينتقل إليها الموظفون - ومعهم - كل أسرهم إلي الموقع الجديد، هذا هو المعني الوحيد لتخفيف الزحام في القاهرة. وواصل: إذا كنا سنقوم بتهجير كل هؤلاء.. فإن الأمر يقتضي قبل أي خطوة أن ننشئ - ونحن نقيم هذه الوزارات - المساكن اللازمة لكل هؤلاء والمدارس لأبنائهم، والأسواق لطعامهم، وأقسام الشرطة ودور العبادة، والعلاج، وكل مستلزمات الحياة، بل وأيضاً نريد شبكة من الطرق الخارجية والداخلية، وكل احتياجات الحياة الجديدة من محطات مياه وصرف صحي وكهرباء.. فهل مصر الآن قادرة علي توفير كل ذلك؟ بناء المدن الجديدة - يواصل الكاتب الكبير عباس الطرابيلي - ترف لا تتحمله أوضاعنا الاقتصادية الآن.. ويمكن أن نستعد له، علي أن ننفذه عندما تتحسن أوضاعنا وأن نتعلم من تجارب الدول التي سبقتنا في بناء عواصمها، حتي لو كانت علي شكل عاصمة إدارية، كما هو الحال في مدينة واشنطن العاصمة الإدارية للولايات المتحدة. واستطرد: نرفض ترف إنشاء المدن الجديدة الآن، وإذا كان لدينا فائض - أي فائض - فعلينا أن نوجهه لتحسين أوضاع المواطنين، لا أن نرمي به في بحر من رمال، علي طريق السويس الصحراوي! استراتيجية شاملة الدكتورة زينات طبالة، مدير مركز دراسات التنمية البشرية بمعهد التخطيط القومي، تري ضرورة التفكير في خطط ورؤي استراتيجية شاملة ذات درجة عالية من النضوج العلمي والفكري في أهدافها وغاياتها، في إطار اهتمام الدولة بتنمية مهارات وقدرات الكوادر العليا والوسطي للعاملين بالجهاز الإداري للدولة كمهمة أولي قبل الحديث عن العاصمة الجديدة. ومن جانبه أكد الدكتور صلاح الدين الدسوقي، رئيس المركز العربي للإدارة والتنمية، أن فكرة إقامة عاصمة بديلة فكرة معقولة إلي حد ما، لكن طرحها في هذا التوقيت غير مناسب إطلاقاً، خاصة في ظل مطالبة الحكومة للشعب المصري بشد الاحزمة علي البطون والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وغلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار، وانعكاس آثارها السلبية علي الاقتصاد المصري المتدهور. واستنكر «الدسوقي» التصريحات الحكومية بشأن هذا القرار التي وصفها ب «الشو الإعلامي»، مؤكداً أن مثل هذه الأقوال الاستعراضية غير معبرة عن الحقائق الملموسة التي يعيشها المواطنون علي أرض الواقع. ويتساءل: هل تم إجراء دراسة جدوي لهذا الموقع الجديد.. ومتي تمت هذه الدراسة وما نتائجها.. وهل تم تقدير التكلفة الاستثمارية لتنفيذه.. وتطبيق اللامركزية في توصيل الخدمات للموظفين في المصالح الخدمية؟!