الحديث لا ينقطع أبداً عن الأحزاب السياسية طالما أننا نتحدث عن مصر الديمقراطية الحديثة وتداول السلطة، فى الأيام الماضية قلت إن الكارثة الحقيقية للأحزاب بدأت مع ثورة 23 يوليو عندما تم حل الأحزاب والاعتماد فقط على الفكر والرأى الواحد، واستمرت الأمور فى نهاية المطاف الى وجود أحزاب هشة وضعيفة فى ظل حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونظامه الذى لا يعترف إلا بشلة المنتفعين، ،مارسوا حصاراً شديداً أيضاً ضد الأحزاب. وبما أننا الآن وبعد ثورتين عظيمتين، لم نعد ولم يقبل أي مصرى أن يسرى الآن ما كان يتم قبل ذلك من تهميش للأحزاب أو النيل منها أو ممارسة الأفعال التى كانت ترتكب فى حقها. وغير مقبول أيضاً أى هجوم على الأحزاب، لأن ذلك يعنى عودة الى الأنظمة السابقة، ومصر الحديثة لن تعود أبداً الى الوراء، إذا كانت الأحزاب السياسية قد ابتليت منذ ثورة يوليو وعلى مدار ستين عاماً ممن لا يؤمنون بالديمقراطية وتدال السلطة، فهذا قد ولىّ ولن يعود مرة أخرى. ولذلك أستغرب شديد الغرابة من الذين يرددون الاسطوانات المشروخة من جماعات ضغط لا ترضى لمصر العبور الى بر الأمان والمستقبل، وراحت هذه الجماعات، التى تعد فى نظرى أشد وطأة من الإرهاب وأصحابه، فى ممارسة ونصب العداء الى الأحزاب السياسية. هم يريدون الاستمرار فى سياسة تطبيق الخناق والاضعاف التى كانت تتم بهدف ووقف حال البلاد، وتحقيق هؤلاء مصالحهم على مصالح الأمة المصرية العظيمة التى تحملت الكثير من أجل أن يأتى اليوم الذى تشهد فيه مصر تطوراً ديمقراطياً حقيقياً. الذين يعطلون مسيرة الديمقراطية، لن يسمح لهم أحد بذلك، ووجود الأحزاب مهم جداً لأنه يمنع حكم الفرد المطلق الذى عانت منه البلاد على مدار عقود طويلة، ومحاولة البعض تزيين صورة الحكم بدون أحزاب سياسية محاولة فاشلة، فالدستور نفسه حسم الأمور وأعطى للبرلمان دوره فى التشريع، وكذلك للحاصل على الأغلبية تشكيل الحكومة.. بما أنه بسبب السياسات العرجاء التى مورست ضد الأحزاب، لن نجد حزباً واحداً يقوى على تحقيق نسبة الأغلبية لتشكيل الحكومة.. ومن هنا جاءت فكرة التحالفات، والتى وصفتها من قبل بأنها ضرورة وملحة وليست بدعة، قلت كذلك إن الخوف الحقيقى الذى ينتاب الناس خلال المرحلة الراهنة هو ما تقوم به جماعات الضغط من ممارسات وأفعال بهدف الوصول الى البرلمان.. ولذلك بات دور التحالفات السياسية بين الأحزاب والقوى الوطنية والثورية مهماً للغاية، حتى تمنع أية عودة للأنظمة الفاشلة السابقة التى لا تؤمن بالديمقراطية. الأبواق التى تهاجم الآن تحالفات الأحزاب، إنما تفعل ذلك بهدف استمرار سياسة الأنظمة السابقة، فى محاولة بائسة لتكرس نظام الفرد والحزب الواحد والفكر الواحد، وهى سياسة عفى عليها الزمن، فلا مجال الآن بعد ثورتى مصر سوى تحقيق الديمقراطية وتحقيق العدالة الإنسانية، ولن يحدث هذا أبداً دون وجود الأحزاب.. فوجودها يعنى أن هناك تداولاً للسلطة، وبخلاف ذلك نضحك على أنفسنا. وتأتى أهمية التحالفات الآن لمواجهة أية محاولات لإجهاض الأحزاب ومنع مخالفة الدستور وترسيخ لسيادة الديمقراطية عن سواها من نظريات المتآمرين الذين يسعون الى تحقيق مصالحهم ومنافعهم الخاصة عما سواها. «وللحديث بقية»