خطورة ثقافة التوريث قبل 25 يناير 2011 لم تكن في سيناريو محتمل لنقل السلطة من الرئيس الأب للوريث الابن.. الأخطر من ذلك والمستمر حتى الآن في هذه الثقافة أنها مازالت تجري في شرايين مؤسسات الدولة ويكفي تأمل أبعاد ثقافة التوريث في مؤسسات مثل شركات البترول والجامعات وايضا اتحاد الاذاعة والتليفزيون.. سلسال الأسر ممتد من الجد للابن للحفيد في هذه المؤسسات وغيرها وهنا مكمن خطورة غض الطرف عن هذا التوريث غير المشروع وغير الشرعي أيضاً.. والغريب أننا في مصر وبعد كل حالة الحراك الثورى خلال السنوات الثلاث الماضية التي تجلت في ابهي صورها يومي 30 يونية و3 يوليو 2013 نجد للأسف الشديد والمؤلم أن الحكومة الحالية على سبيل المثال بدلاً عن أن تدقق في كل أمر من شانه أن يرشد الإنفاق العام وان يعلى من قيمة مبدأ تكافؤ الفرص وتجديد دماء القيادات في كل مكان نجدها تؤسس لثقافة «التمديد» بعد أن نجحنا في وأد التوريث. التمديد في مؤسسات الدولة يعني استمرار بعض موظفي الدولة في الخدمة بعد سن التقاعد لستة أشهر أو عام وهناك من يعاد تعيينهم بعد سن التقاعد على رأس بعض الشركات والمؤسسات ولا أدري ان كان ذلك على سبيل التخطيط أم التحنيط.. وآخر مشاهد التمديد المخزية كانت من نصيب رئيس الإذاعة المصرية الأستاذ عبدالرحمن رشاد، وسواء سعى هو لذلك أم لم يسع فالخطأ ليس خطأه وإنما يتحمل تبعاته متخذ القرار أو معتمد القرار. وحتى كتابة هذا المقال فإن من حاولوا معرفة الجهة متخذة القرار جاءتهم الاجابة بأن قرار التمديد يخرج من رئاسة مجلس الوزراء.. يعني من السيد المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الذي اسأله إن كان يعلم أن لرئيس الإذاعة خمسة نواب من خيرة الكفاءات الإعلامية بالإضافة لرؤساء الشبكات الإذاعية ومن بينهم كوادر مشهود لها بالكفاءة والنزاهة.. وإذا كانت الحكومة جادة في التخطيط لخفض عدد موظفي الدولة البالغ عددهم أكثر من ستة ملايين موظف خلال عشر سنوات قادمة فهل البداية تكون بالتمديد للموظفين بعد سن التقاعد؟.. وهل ثقوب التمديد هي التي ستمنح قيادات الجيل الثاني والثالث فرصة اثبات الذات أم الموت فوق مكاتبهم؟ يا دولة رئيس الوزراء لو كنت أنت متخذ قرار التمديد أو المصدق عليه فهذا الأمر مخالف لروح دستور مصر الذي يعلى من مبدأ تكافؤ الفرص وعدم المحاباة للموظفين العموميين والسؤال الذي يلح على كل ذي عقل.. إذا كان التمديد لرئيس الإذاعة سيكون لمدة ستة أشهر وبعدها يتم تعيين قيادة اذاعية جديدة صاحبها أو صاحبتها يعملون الآن ويمارسون مهامهم الوظيفية فلماذا التمديد للرئيس الحالي وركن البديل ستة أشهر؟.. وأعتقد أن الحكومة إذا كانت جادة في تحمل مسئولياتها فعليها أن تعاقب اي قيادة بمؤسسة من مؤسسات الدولة يصل صاحبها لسن التقاعد دون أن يكون خلفه على الأقل من 3 إلى 5 قيادات جاهزة لتحمل المسئولية مباشرة وليس التمديد له تحت اي مسمي.. وإذا كان الحديث لم ينقطع سواء بحسن نية أو سوء قصد عن التضخم والترهل الوظيفي باتحاد الإذاعة والتليفزيون فهل من الحكمة والرشد أن نمد لقيادات إعلامية بعد بلوغها سن المعاش. يا سيادة رئيس الوزراء.. أثق بأنك تعلم جيداً - بل - وتقدر المبدأ القائل بأن سرقة جنيه من مال الدولة لا يختلف عن سرقة مليون من حيث جرم الحدث.. كذلك يا سيدي لا يختلف الأمر عندما تتحمل ميزانية اتحاد الإذاعة والتليفزيون مرتب موظف عام كبير لمدة ستة اشهر بعد سن التقاعد حتى لو كان راتبه 25 ألف جنيه شهريا لأنه بمقدور الحكومة الرشيدة أن تشكر من يتقاعد وتعين مكانه كفاءة جديدة واعدة تكمل مشوار الموظف السابق وتضيف لما حقق من نجاح. معذرة يا سيادة رئيس الوزراء.. اغلق باب المجاملات والأبواب الخلفية التي يتسرب منها المتقاعدون إلى مناصب قيادية جديدة لأن استمرار هذا الورم الوظيفي معناه استمرار سياسة تجريف وقتل الكفاءات والأخطر قتل الحلم العام في مستقبل أفضل طال انتظاره.