تمر مصر بظروف وأوضاع اقتصادية شديدة الصعوبة والدقة وقد أسهمت عدة عوامل متشابكة في الوصول إلى ذلك، ربما من أهمها التراكمات السابقة لحكومات متتالية كانت تلجأ إلى الحلول السهلة لعلاج عجز الموازنة ويقصد بها اللجوء إلى الاستدانة والاقتراض سواء من الداخل أو من الخارج، وهو ما يعني ترحيل المشكلة من عام إلى آخر دون اتخاذ خطوات إيجابية لحل المشكلة مما ساعد على تفاقمها بمرور الزمن وتزايد هائل في حجم الديون الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى تزايد أعباء خدمة الديون على الاقتصاد القومي أي الأقساط والفوائد المستحقة على هذه الديون والتي تقتطع من الميزانية العامة للدولة ويعني ذلك تزايد في حدة عجز الموازنة وتحميل الأجيال القادمة الأعباء المترتبة على ذلك وهو ما يمكن أن نطلق عليه حل مشاكل الحاضر من خلال رهن المستقبل، ونظرا للتداعيات الخطيرة التي يمكن أن تترتب على استمرارية هذا الوضع فإن الأمر يتطلب اللجوء إلى عدة إجراءات مهمة ذات تأثير إيجابي سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية:- أولا: الاعتماد على المبادرات والجهود الذاتية الداخلية والمتمثلة في مساهمة كل مصري ومصرية وبقدر استطاعته في دعم اقتصاد البلاد، وربما يمكن الإشارة في هذا الإطار إلى المبادرة الذاتية التي قام بها الرئيس السيسي في هذا المجال، وبحيث يقوم كل مواطن مصري وبقدر استطاعته وبمبادرة من ذاته بالإسهام في تخفيف المتاعب الاقتصادية للوطن، حيث إن تضافر الجهود يمكن أن يساعد على تحقيق دفعة هامة في هذا المجال، وبطبيعة الحال فإن القدرة على الإسهام والمشاركة في هذا الدعم الاقتصادي يمكن أن تختلف من مواطن إلى آخر وفقا لقدراته حيث يختلف رجل الأعمال والمستثمر عن المواطن على سبيل المثال، كما يختلف الموظف في درجات الإدارة العليا عن الموظف البسيط وهكذا، فهناك من يستطيع الإسهام بمبالغ كبيرة بينما يوجد من لا يستطيع المساهمة إلا بمبالغ محدودة ولكن يظل في جميع الأحوال الأثر الكبير للمساهمة الجماعية للمواطنين وسواء كانت هذه المساهمة نقدية أو عينية كما أعلن عدد من رجال الأعمال عن انشاء جامعات أو مدارس أو مستشفيات أو غيرها وهو ما يمكن التعبير عنه بالمسئولية الاجتماعية لرأس المال والذي يحول دون الأخذ بالرأسمالية المتوحشة، وخصوصا أن مثل هذه الإسهامات من جانب رجال الأعمال والمستثمرين اضافة إلى ما تحققه من فائدة للوطن فإنها تحقق أيضا فائدة لأصحاب رأس المال والمستثمرين من خلال توفير مناخ الاستقرار الاجتماعي وتقليص حدة التفاوت الطبقي. ثانيا: إن هناك دوراً هاماً للمصريين في الخارج في مساندة الوطن في هذه المرحلة الصعبة من مراحل تطوره سواء من خلال استثماراتهم في داخل الوطن أو من خلال ما يقومون به من تحويلات بالعملة الصعبة، وربما يكون من المفيد اتاحة الفرصة المناسبة لهم لدعم اقتصاد الوطن من خلال البعثات التمثيلية لجمهورية مصر العربية في الخارج أو من خلال اتاحة فرص لهم في الداخل مثل أوعية ادخارية متميزة أو قطع من الأراضي أو شقق سكنية أو المشاركة في مشروعات هامة يحتاج إليها الوطن، ويمكن في هذا الإطار عقد مؤتمر سنوي أو نصف سنوي لممثلي المصريين في الخارج لبحث أفضل الطرق التي يمكن من خلالها اسهامهم في هذا المجال وكذلك تعرفهم على الفرص الاقتصادية والاستثمارية المتاحة، فالمواطن المصري في الخارج يكون مرتبطا دائما بهموم وقضايا الوطن ومشاكله ولن يتأخر عن تقديم كل ما يستطيعه لمساعدة وطنه. ثالثا: ترشيد الدعم، حيث إن الدعم يبتلع مبالغ هائلة من الميزانية وتتزايد عاما بعد آخر ويسهم في تزايد عجز الموازنة العامة للدولة، ويضغط على الموارد المتاحة ويدفع إلى المزيد من الديون سواء في الداخل أو الخارج، ويلاحظ أن المطلوب ليس إلغاء الدعم أو المساس بالطبقات الفقيرة والمتوسطة والتي تحتاج إلى هذا الدعم والذي يعتبر أحد محاور العدالة الاجتماعية وإنما المطلوب هو وصول الدعم إلى من يستحقه فعلا وليس المطلوب تدعيم من لا يستحق، كما حدث في مجال البترول حيث يتم التحايل لبيع المواد البترولية المدعمة وتهريبها من خلال السفن أو من خلال الأنفاق في فترة سابقة، كذلك ليس من المطلوب حصول السفارات والبعثات والهيئات الأجنبية في البلاد على البترول بالأسعار المدعمة، ونفس الأمر بالنسبة لرغيف الخبز الذي يفترض أن دعمه لفائدة الطبقات الفقيرة وليس من المطلوب أن تحصل المطاعم على سبيل المثال على رغيف الخبز بالسعر المدعم، وهكذا في مختلف جوانب الدعم فالمطلوب أن يوجه الدعم لمن يستحق مما يعتبر من عوامل تحقيق العدالة الاجتماعية، وفي نفس الوقت يتم تقليل الأعباء المترتبة على الدعم في الميزانية، وربما يرتبط بترشيد الدعم أيضا ترشيد الإنفاق الحكومي في مختلف المجالات وعلى مختلف المستويات في الداخل والخارج. رابعا: إن الاقتصاد من أهم عناصر قوة الدولة ويؤثر على السياسة الخارجية ويجعل من هذه السياسة أكثر مرونة وقدرة، وإذا كانت مصر تسعى في سياستها الخارجية في الفترة القادمة إلى أن تكون أكثر مرونة وأكثر استقلالية في المجال الخارجي فإن الأمر يتطلب ادخال الإصلاحات اللازمة على المستوى الداخلي وأهمها الإصلاحات الاقتصادية مع ضرورة أخذ البعد الاجتماعي في الموضوع وبحيث لا تشكل هذه الإصلاحات عبئاً على الشرائح الاجتماعية الفقيرة او الطبقة الوسطى، والحذر من الوصفات التي تقدمها المؤسسات الاقتصادية الدولية والتي جاءت بآثار سلبية في نماذج متعددة،بل تكون الإصلاحات الإقتصادية متناسبة مع أوضاع وظروف الوطن وتأخذ في المقام الأول بالبعد الاجتماعي، وأن تكون ثمار التنمية موزعة على شرائح واسعة ولا تستأثر بها قطاعات ضيقة مما يحقق العدالة الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي الداخلي، وإذا بدأت الدفعة الاقتصادية من الداخل يكون من السهل اسهام الأشقاء والأصدقاء في دفع عملية التنمية في مصر وتحقيق آمال وتطلعات الشعب المصري.