تبدو القصة منذ الحرف الأول إبحارا ضد تيار جارف من تشويه الإحساس والأمل والحق في الحياة.. بكاء وتباكي على أطلال وطن كان الكثيرون جاهزين لسرد قصة المذيعة المتأنقة التي وقفت تسأل صديقين في شارع: كيف ترى مصر؟.. يجيب الأول دونما تفكير: مصر هي أمي؟.. إلى جواره صديقه التائه الذي ألقت على مسامعه ذات السؤال: وأنت؟.. يفكر ثم يفكر ثم يجيب: أم صاحبي؟!.. هل صارت مصر بالنسبة إليك أم صاحبك؟!.. هل صارت «تحيا مصر».. مجرد صرخة موجهة إلى ذكريات ماض بعيد أم أنها صرخة إلى مستقبل قريب يستحقك؟!. من نواة الحب الذي يسكن قلبك.. هل يمكنك أن تمنح وطنك قبلة الحياة؟.. هل يمكنك أن تجعله كبطل رياضي في أولمبياد، ما كان لينطلق بسرعة إلى الأمام إلا إذا عاد خطوات إلى الخلف؟!.. هل نسيت كيف ابتدعت الفكرة والنكتة في لحظة.. موقف.. حالة؟.. هل يمكننا استثمار جذور «الإبداع» و«خفة الدم» وحب الحياة المتأصلة بداخلنا كوقود لمستقبل نستحقه؟!. إن صاحبة المقام الرفيع حائرة بين مشهدين.. المشهد الأول يجسده أصحاب المنصب الرفيع وهو أقرب ما يكون إلى «داء عضال».. أراد صاحب الكرسي الرفيع أن يصنع من منصبه «سر الدواء».. وقف يقول بكلمات مسموعة: «أن أدفع نفسي نحو الأفضل أفضل من أن أنظر إلى نفسي دائماً على أنها الأفضل!.. اعملوا عند تمام السابعة.. لقد عانى هذا الشعب دون أن يجد من يحنو عليه أن يرفق به.. تحيا مصر بالعمل..أتنازل عن نصف راتبي، ونصف ما ورثته عن أبي لصالح مصر!. المشهد الثاني: 9 إناث من كل 10 يتعرضن للتحرش !.. 8 ذكور من كل 10 يتحرشوا بالتسع إناث!. 7 إناث من كل 9 هن ضحايا للتحرش بعد «الظهر»!.. 7 إناث من كل 9 لا يتخذن إجراء لعقاب المتحرش على الرغم من استيائهم وغضبهم من الفعل الفاضح.. اثنان من كل 10 ذكور يتدخلان لدى مشاهدتهما حوادث التحرش التي تقع أمام أعينهم!.. 6 متحرشين من كل 10 هم في الفئة العمرية بين 18 إلى 24 سنة.. التوك توك يعد من أكثر الوسائل استخداما في التحرش!. بين المشهدين.. رجال صفقوا.. شباب هتفوا.. رقصوا!، إلا أنه وفي وقت تدخل شابان فقط من كل عشرة لإنقاذ كائن ضعيف فقد قرر رجل واحد من أصل آلاف أن يقاوم الداء بإعادة توصيف معنى وقيمة «صاحبة المقام الرفيع»!.. هو يرى أن في العمل أمل، وهم يرون في العمل ألما!.. هو يفكر في الحل، وهم يفكرون في المشكلة.. هو يؤمن أن الحل صعب لكنه ممكن.. وهم يرون أن الحل ممكن لكنه صعب.. هو يعصر أفكاره، وهم لا تنضب أعذارهم.. هو يرى حلاً في كل مشكلة، وهم يرون مشكلة في كل حل.. هو يؤمن بأن الإنجازات التزاماً يلبيه، وهم لا يرون في الإنجاز أكثر من وعد يعطوه.. هو ينظر للمستقبل ويتطلع لما هو ممكن، وهم ينظرون للماضي ويتطلعون لما هو مستحيل.. هو يختار ما يقول، وهم يقولون ما لا يختارون.. هو يناقش بقوة وبلغة لطيفة، وهم يناقشون بلغة «حرمان».. هو يعطي بينما هم لا يمتلكون رفاهية الحديث عن العطاء!.. هو يصنع الأحداث وهم صنعهتم أحداث!. هو يستيقظ في الخامسة صباحاً، وهم يتحرشون بعد استيقاظهم ظهراً.. ويبقى السؤال: هل تحصد جميلة الجميلات صاحبة المقام الرفيع ثمرة لقاء الاثنين في السابعة صباحاً بميدان التحرير ليردّد الجميع عملاً: عيش.. حرية.. كرامة إنسانية.. عدالة اجتماعية؟!.