قال تعالي: «ويعلم ما في الأرحام»، هل يتناقض معرفة الطب لجنس الجنين مع اختصاص الله تعالي بعلم ما في الأرحام؟ لقد ذكر القرآن خمساً تتعلق بحياة الإنسان ومصيره؟.. بقوله تعالي: «إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير» (لقمان: 34)، أطلق التعبير «ويعلم ما في الأرحام»، علي الله فشمل كل مغيب عن مشروع الإنسان المقبل ومستقبله ومصيره بعد الحساب مما ليس بمقدور بشر إدراكه، فضلاً عن الإحاطة بتفاصيله. ولا يعارض القرآن إذن معرفة الطب حالياً ببعض أحوال الجنين، لأن المحجوب هو العلم المحيط به قبل أن يخلق. وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته، وقوله تعالي: «ويعلم ما في الأرحام»؟.. فأجاب بقوله: «قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة، فإما أن يكون الواقع مجرد دعوي لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته؟.. لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً، فإذا تبين ذلك فقد قيل: إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام، والعلم بكونه أنثي أو ذكراً، فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام، وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية، حيث إن الآية تدل علي أمر غيبي، متعلق بعلم الله تعالي في هذه الأمور الخمسة، والأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه وحياته وعمله ورزقه، وشقاوته أو سعادته، وكونه ذكراً أم أنثي قبل أن يخلق، أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب، لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاث التي لو أزيلت لتبين أمره». ومن اللافت للنظر أن أحد كبار علمائنا المفسرين وهو ابن كثير رحمه الله وقبل أكثر من ستة قرون ونصف القرن، توفي ابن كثير عام 774 ه، وكأنه يتنبأ بإمكان معرفة الإنسان لجنس الجنين بعد نفخ الروح فيه وإخبار الله تعالي للملك الموكل بذلك، ففي تفسيره الآية 34 من سورة لقمان: «إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام»، يقول ابن كثير: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالي سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثي أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه.. يقول الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر لا يتنافي علم البشر بنوع الجنين في بطن أمه مع علم الله بما في الأرحام.