«أتمنى أن أكون مثل عبدالناصر»، أسرّ الرئيس المصري الجديد إلى مجموعة صحافيين مصريين في مقابلة تلفزيونية بثت مطلع أيار (مايو) المنصرم. ولكن شتان بين عبد الفتاح السيسي وجمال عبد الناصر، أو بينه وبين أنور السادات أو حسني مبارك، والأرجح ألا يكون عهده استثنائياً، على رغم أنه يوصف بالبطل والمخلص، فهو في وضع لا يحسد عليه، تحاصره من كل صوب مطالب المصريين وحاجات الاقتصاد المتداعي، و «الإخوان المسلمون» يطعنون في مشروعية حكمه، ويواجه معارضة في جهاز الدولة، وجعبته خاوية من الموارد السياسية. وثمة تباين كبير بين التأييد الشعبي الفعلي وبين صورة التأييد الشعبي هذا في وسائل الإعلام الموالية له. وكان الاستفتاء على الدستور في كانون الثاني (يناير) المنصرم أول مقياس للتأييد الشعبي لتوليه الرئاسة، وسلطت الأضواء على حيازة الدستور تأييد 98 في المئة، لكن عدد الناخبين لم يتجاوز 38.6 في المئة من المصريين. وأظهرت صور مراكز الاقتراع المقفرة الشهر الماضي فتور حماسة المصريين إزاء قائدهم الجديد، فبادرت السلطات إلى تمديد مدة الاقتراع وهددت الناخبين المتخاذلين بفرض غرامة عليهم إذا امتنعوا عن التصويت. وأعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية المصرية العليا، أن 96.91 من الناخبين اختاروا السيسي، وأن عدد الناخبين بلغ 47.45 في المئة من السكان. والتفويض الضامر هذا لم يتوقعه السيسي. وقد يجد العزاء في تذكر أن عبدالناصر العظيم استقبله الناس بالفتور والحذر، ولم يرتقِ إلى مصاف زعيم أسطوري إلا بعد محاولة اغتيال استهدفته وتأميم قناة السويس. ثمة أوجه شبه بين أحوال مصر اليوم وبين ثلاثينات القرن العشرين، في مرحلة حكم إسماعيل صدقي باشا التي نسيها كثر. والشبه لا ينفي الاختلاف، فمصر كانت يومها ملكية ومضت اليوم على انسحاب البريطانيين منها ستة عقود، ولكن حين بلغ صدقي سدة الرئاسة قابله المصريون بإضرابات واحتجاجات، وعمّ الاضطراب مصر وكانت على شفير هاوية اقتصادية نجمت عن الأزمة الاقتصادية الكبرى، فتجاهل رئيس الوزراء الدستور وقمع المعارضين السياسيين، ودام حكمه 3 سنوات. وعلى ما كانت حال مؤيدي صدقي، يرى مؤيدو السيسي أن في مقدوره إرساء الاستقرار والإصلاح الاقتصادي، والحؤول دون نزول المصريين مجدداً إلى الشوارع. الرئيس المصري اليوم هو أمام مفترق طريق لخيارين: أولهما الإقرار بأن العالم تغيّر وأن هوس الناس به ضعيف الصلة بالواقع، وبأن محاكاة النظام السياسي الآفل عسيرة وفي غير محلها. والإقرار هذا يقتضي الانفتاح على المعارضين وترك السياسة الإقصائية، وهو فرصة إذا اقتنصها قد يشدّ لحمة مصر ويفلح في تقويم أوضاعها. وسبق للرئيس محمد مرسي أن اختبر الحكم الإقصائي، وسرعان ما انتهى عهده القصير. والخيار الثاني هو توسل القوة في إرساء النظام على نحو ما فعل صدقي في الثلاثينات وعبدالناصر في 1952، حين سعى إلى وضع حد للاضطرابات السياسية وانتهى به الأمر إلى بناء نموذج الدولة الأمنية في الشرق الأوسط. وتوسُّل القوة لفرض الاستقرار هو كذلك ما رمى أنور السادات قبل اغتياله، وما أخفق مبارك في إنجازه على رغم بقائه في السلطة نحو 3 عقود. والأغلب على الظن أن يلجأ الرئيس المصري الجديد إلى نموذج القوة الموروث من أسلافه، وهذا ما يرجَّح، إذ يُنظر إلى قبوله بعنف القوى الأمنية. ولا شك في أن قائد القوات المسلحة السابق لا تقع عليه كل مسؤولية ما جرى في المرحلة الانتقالية وموت ألف مصري وجرح الآلاف من المتظاهرين وأحكام بإعدام 1212 رجلاً. ولو كانت قوته فعلاً مثلما يشاع، لوسعه تقييد هذه الانتهاكات، لكن إمساكه بمقاليد الدولة المصرية ليس على ما يحسب كثر. وما يواجهه السيسي اليوم مألوف في تاريخ مصر الحديث: معارضة تهدد النظام وأزمة اقتصادية وفوضى في الشارع. والأرجح أن يحتذي الرئيس الجديد بأسلافه.. نقلا عن صحيفة الحياة